كما يعود هذا الاختلاف - أيضاً - إلى اختلاف الاعتبار الذي يبدأ منه حساب تلك المدة، هل هو من بداية الرؤيا الصادقة، أو من البعثة التي تلاها فتور في نزول الوحي، أو من الرسالة وتتابع الوحي بعد ذلك.
يضاف إلى ذلك التسامح والتساهل في تحديد الوقت، وجبر الكسور في حساب السنوات. اختصاراً وعادة يقول ابن كثير: "إن العرب كثيراً ما يحذفون الكسور من كلامهم" (١) وكذلك الخلاف في عمره عليه الصلاة والسلام. حيث قيل إنه ستون سنة. وقيل ثلاث وستون، وقيل خمس وستون.
والمعتمد كما يقول ابن حجر أنه ﷺ عاش ثلاثاً وستين سنة وأن ما ورد مما يخالف ذلك فهو محمول إما على إلغاء الكسر في السنين أو جبر الكسر في الشهور. (٢) وأضاف ابن كثير معنى جديداً في الجمع وهو: اعتبار قرن جبريل بالرسول ﷺ في نزول الوحي حيث روي أنه قرن به عليه السلام ميكائيل في ابتداء الأمر. يلقي إليه الكلمة والشيء ثم قرن به جبريل. (٣)
كما أنه بعث ﷺ على رأس أربعين سنة. كما قال النووي: "واتفقوا أنه ﷺ أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة. والصحيح أنها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثاً وستين وهذا الذي ذكرناه أنه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء". (٤)
وقد حاول الشيخ محمد الخضري اختيار تحديد دقيق للمدة فذكر أن مدة مقامه ﷺ بمكة هي اثنتا عشرة سنة، وخمسة أشهر، وثلاثة عشر يوماً من يوم ١٧رمضان سنة ٤١ من ميلاده الشريف إلى أول ربيع الأول سنة ٥٤ منه.
(٢) انظر فتح الباري (٩/٤).
(٣) فضائل القرآن الكريم لابن كثير (٣٦).
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (١٥/٩٩)، وانظر الزيادة والإحسان (١/٢٥٢).