أما كيف كان جبريل يتلقى الوحي، فلا يركن إلى شيء مما قيل في ذلك إلا ما أومأ له الدليل، وأولى قول في هذا المجال هو ماذكره البيهقي في تفسير قوله تعالى ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ قال: يريد والله أعلم "إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إيّاه وأنزلناه بما سمع، وهذا القول يشهد له مارواه الطبراني من حديث النواس بن سمعان" مرفوعاً إلى النبي - ﷺ - قال: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجداً، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بوحيه بما أراد فينتهي به حيث أمر" والحديث وإن لم يكن نصاً في القرآن إلا أن الوحي يشمل وحي القرآن وغيره (١).
أما قول من قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب، لم يسمعه من الله، فهذا قول باطل كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (٢) وقد أخبر تعالى بأنه منزل منه قال تعالى ﴿ والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ﴾ (الأنعام : ١١٤) وقال تعالى ﴿ حم. تنزيل من الرحمن الرحيم ﴾ (فصلت : ١-٢). وقال تعالى ﴿ حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ﴾ (الأحقاف: ١-٢). فجبريل رسول الله من الملائكة جاء به إلى رسول الله - ﷺ - من البشر والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس. وكلاهما مبلغ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٣) :" وهو مع هذا كلام الله ليس لجبريل ولا لمحمد فيه إلا التبليغ والأداء كما أن المعلمين له في هذا الزمان والتالين له في الصلاة أو خارج الصلاة ليس لهم فيه إلا ذلك لم يحدثوا شيئاً من حروفه ولا معانيه ".
قال الإمام السيوطي (٤) قال الجويني: كلام الله المنزل قسمان:
(٢) الفتاوى ١٢/١٢٧ فما بعدها.
(٣) الفتاوى ١٢/٢٦٠.
(٤) الاتقان ١/١٢٨.