فقد أمر القرآن أولاً بالإيمان بالله وصفاته، وعبادته وحده، حتى إذا ما آمنوا بالله دعاهم إلى الإيمان باليوم الآخر، ثم بالإيمان بالرسل والملائكة حتى إذا ما اطمأنت قلوبهم بالإيمان، وأشربوا حبه، سهل عليهم بعد ذلك تقبل الأوامر، والتشريعات التفصيلية والأحكام العلمية والفضائل والآداب العالية، فأمروا بالصلاة والصدق والعفاف ثم بالزكاة ثم بالصوم، ثم بالحج، كما بينت أحكام النكاح، والطلاق والرجعة والمعاملات من بيع وشراء وتجارة إلى غير ذلك من المعاملات.
وقد أشارت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى هذه الحكمة كما في صحيح البخاري (١) قالت عائشة: إنما نزل من القرآن أول مانزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لاتشربوا الخمر لقالوا لاندع الخمر أبدا، ولو نزل لاتزنوا لقالوا لاندع الزنى أبدا.
وقد دل القرآن بهذه السياسة الحكيمة الرشيدة في إصلاح الشعوب وتهذيب أخلاقها على أنه معجز وأنه كلام الله، فما كان لبشر مهما كان ذكاؤه أن يتوصل إلى هذه الطرق الحكيمة، في الوقت الذي بعث فيه نبينا - ﷺ - ولكن هذا من صنع العليم الخبير.
٤ -– من الحكم كذلك، تثبيت قلوب المؤمنين وتعويدهم على الصبر والتحمل بذكر قصص الأنبياء، ومالاقوه وأن العاقبة للمتقين كقوله تعالى ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ﴾ (النور الآية ٥٥) وكقوله ﴿ الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ﴾ (العنكبوت الآية ١-٣).