ومن مظاهر العناية به أنه لما استحرّ القتل في الحفظة عمد أبو بكر إلى جمعه في مكان واحد في الصحف، واحتاط لذلك الجمع، حيث ألف نخبة من الحفظة، على رأسهم زيد بن ثابت الذي كان كاتب الوحي في حياة النبي - ﷺ - وقد كان أمير المؤمنين أبو بكر الصديق موفقاً في هذا الجمع، ثم بعد هذا الجمع ظلت الصحف عند أمير المؤمنين أبي بكر في خلافته ثم بعد وفاته انتقلت إلى أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - ثم بعد وفاته كانت عند حفصة رضي الله عنها حتى كانت خلافة أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - فحصل في زمن عثمان اختلاف بين القراء في الأمصار، فكان من توفيق الله أن جمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الصحابة، وعرض عليهم اختلاف القراء في الأمصار وفي المدينة، وكان رأيه أن يجمع القرآن في مصحف واحد، فوافقه الصحابة بالإجماع على ذلك، فأرسل إلى حفصة وأخذ منها الصحف، وجمع القرآن في مصحف واحد ووزعه على الأمصار، فكان بذلك موفقاً حيث أدرك الناس قبل أن يختلفوا. ومن مظاهر العناية بالقرآن الكريم عند المسلمين، أنهم حرروا القراءات وفرقوا بين المتواتر والشاذ، وجعلوا قواعد لا يثبت القرآن إلا بها وهي:
أولاً:- الإسناد المتصل للقراءة في كل طبقة.
ثانياً:- موافقة القراءة لوجه نحوي.
ثالثاً:- أن يحتملها الرسم العثماني.
وكل قراءة لاتتوفر فيها هذه الشروط، فاعتبرها العلماء شاذة لاتسمى قرآناً، ولاتجوز القراءة بها (١).
فكل ماوافق وجه نحوي | وكان للرسم احتمالا يحوي |
وصح إسنادا هو القرآن | فهذه الثلاثة الأركان |
وحيث مايختلّ ركن أثبت | شذوذه لو أنه في السبعة |