وإذا كانت الترجمة الحرفية غير ممكنة ومستحيلة، فإن ادعاء القيام بترجمة حرفية للقرآن تؤدي معانيه الأصلية ادعاء باطل، فتحرم، وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين الثقات.
حكم الترجمة التفسيرية:
أما الترجمة التفسيرية أو المعنوية -كما مر تعريفها- فهي التي ثار فيها الجدال والعراك، واشتد فيها النزال والطعان بين المؤيدين والمعارضين.
وسأعرض - بإيجاز شديد - أدلة كل فريق.
فمن أدلة المؤيدين للترجمة:
أن الدعوة الإسلامية دعوة عامة لا تختص بجيل دون جيل، أو أمة دون أخرى، وتحقيق ذلك يوجب بيان القرآن لتلك الأمم وتوضيح معانيه لهم بلغتهم التي يفهمونها.
أن العجمي إذا كان لا يستطيع تذوق نظم القرآن بسبب الحاجز اللغوي فإنه قادر على التفكر في معانيه، والتدبر في أحكامه ودلالاته.
أنه من المسلّم قطعاً أن العربي نفسه لا يستغني عن بيان القرآن
الكريم بل الصحابة أنفسهم -رضي الله عنهم- كانت تُشْكِل عليهم بعض معاني القرآن فيسألون عنها الرسول - ﷺ - فيفسرها لهم امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ النحل: ٤٤]. فإذا كان العربي بحاجة إلى أن يُبيَّن له القرآن فإن العجمي أكثر حاجة إلى بيان القرآن له بلغته التي يفهمها.
كما استدلوا ببعض النصوص من كتب الفقه على جواز ذلك. كقول السرخسي في المبسوط :"وأصل هذه المسألة إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ويكره، وعندهما(١)) لا يجوز إذا كان يحسن العربية، وإذا كان لا يحسنها يجوز" (٢).

(١) عندهما: يعني عند أبي يوسف ومحمد، تلميذي أبي حنيفة.
(٢) المبسوط: السرخسي، ١/٣٧.


الصفحة التالية
Icon