نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٢٣
تقية بعد أن أعز اللّه الإسلام.
[الآية الثانية]
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧).
اللام في قوله وَلِلَّهِ هي التي يقال لها لام الإيجاب والإلزام، ثم زاد هذا المعنى تأكيدا حرف عَلَى فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب كما قال القائل :
لفلان عليّ كذا فذكر اللّه سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيدا لحقه وتعظيما لحرمته. وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل كالصبي والعبد. مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا : وقد اختلف أهل العلم في الاستطاعة ماذا هي؟ فقيل :
الزاد والراحلة، وبهما فسرها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على ما رواه الحاكم وغيره «١». وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم، وهو الحق.
وقال مالك : إن الرجل إذا وثق بقوّته لزمه الحج، وإن لم يكن له زاد وراحلة إذا كان يقدر على التكسب، وبه قال عبد اللّه بن الزبير والشعبي وعكرمة.
وقال الضحاك : إن كان شابا قويا وليس له مال فعليه أن يؤجر نفسه حتى يقضي حجه.
ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة دخولا أوليا أن تكون الطريق إلى الحج آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله الذي لا يجد زادا غيره.
أما لو كانت غير آمنة فلا استطاعة، لأن اللّه سبحانه وتعالى يقول : مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وهذا الخائف على نفسه أو ماله لم يستطع إليه سبيلا بلا شك ولا شبهة.
وقد اختلف أهل العلم إذا كان في الطريق من الظلمة من يأخذ بعض المال على وجه [لا] «٢» يجحف بزاد الحاج؟ فقال الشافعي : لا يعطي حبة، ويسقط عليه فرض
(٢) ما بين المعكوفين سقط من المطبوع والمثبت من فتح القدير [١/ ٣٦٣].