نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٣٧
: إطلاق الاخوة لأبوين أو لأحدهما، وقد أجمع أهل العلم على أن الاثنين من الإخوة يقومان مقام الثلاثة فصاعدا في حجب الأمّ إلى السدس إلا ما يروى عن ابن عباس من أنه جعل الاثنين كالواحد في عدم الحجب.
وأجمعوا أيضا على أن الأختين فصاعدا كالأخوين في حجب الأم مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ واختلف في وجه تقديم الوصية على الدين مع كونه مقدما عليها بالإجماع، فقيل : المقصود تقديم الأمرين على الميراث من غير قصد إلى الترتيب بينهما، وقيل : لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدّمت اهتماما بها وقيل : قدّمت لكثرة وقوعها فصارت كالأمر اللازم لكل ميت. وقيل : قدمت لكونها حظ المساكين والفقراء وأخّر الدّين لكونه حظ غريم يطلب بقوة وسلطان. وقيل : لما كانت الوصية ناشئة من جهة الميت قدّمت، بخلاف الدين فإنه ثابت مؤدى ذكر أم لم يذكر. وقيل :
قدّمت لكونها تشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير عوض فربما يشق على الورثة إخراجها، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة بأدائه وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى غَيْرَ مُضَارٍّ كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً قيل : خبر قوله آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ مقدر : أي هم المقسوم عليهم، وقيل : أن الخبر قوله لا تَدْرُونَ وما بعده وأَقْرَبُ خبر قوله أَيُّهُمْ ونَفْعاً تمييز : أي لا تدرون أيهم قريب لكم نفعه في الدعاء لكم والصدقة عنكم كما في الحديث الصحيح :«أو ولد صالح يدعو له» «١» وقال ابن عباس والحسن :«قد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه» وقال بعض المفسرين : إن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الآخرة سأل اللّه أن يرفع أباه، وإذا كان الأب أرفع درجة من ابنه سأل اللّه أن يرفع ابنه إليه. وقيل : المراد النفع في الدنيا والآخرة قاله ابن زيد، وقيل : المعنى أنكم لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم، من أوصى منهم فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا أو من ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا؟ وقوى هذا صاحب «الكشاف» قال لأن الجملة اعتراضية، ومن حق الاعتراض أن يؤكد ما اعترض بينه «٢» ويناسبه.

(١) أخرجه مسلم في الصحيح [١٦٣١] والنسائي في السنن [٦/ ٢٥١] والترمذي في السنن ح [١٣٧٦].
(٢) جاء في المطبوع [بنية] وهو خطأ والتصحيح من فتح القدير [١/ ٤٣٤].


الصفحة التالية
Icon