نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٤٤
كانت جميلة تزوجها، وإن كانت ذمية حبسها حتى تموت فيرثها. وقد روي هذا السبب بألفاظ.
لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ولا يحل لكم أن تَعْضُلُوهُنَّ عن أن يتزوجهن غيركم لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ أي لتأخذوا ميراثهن إذا متن، أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح. قال الزهري وأبو مجلز : كان من عادتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا، وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت، أو تموت فيرثها، فنزلت الآية. وقيل : الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهنّ مع سوء العشرة طمعا في إرثهنّ أو يفتدين ببعض مهورهنّ. اختاره ابن عطية قال : ودليل ذلك قوله : إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فإنها إذا أتت بفاحشة فليس للوليّ حبسها حتى تذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج. قال الحسن : إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى وتردّ إلى زوجها ما أخذت منه وقال أبو قلابة : إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارّها ويشقّ عليها حتى تفتدي منه.
قال السّدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهنّ.
وقال قوم : الفاحشة البذاءة باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا. وقال مالك وجماعة من أهل العلم : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك هذا كله على أن الخطاب في قوله : وَلا تَعْضُلُوهُنَّ للأزواج، وقد عرفت مما قدمنا في سبب النزول أن الخطاب في قوله : وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لمن خوطب بقوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً فيكون المعنى : ولا يحلّ لكم أن تمنعوهن من الزواج لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ أي ما آتاهنّ من ترثونه إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فحينئذ جاز لكم حبسهن عن الأزواج.
ولا يخفى ما في هذا من التعسف مع عدم جواز حبس من أتت بفاحشة عن أن تتزوج وتستعفّ «١» عن الزنا، وكما أن جعل قوله : ولا تعضلوهن خطابا للأولياء، فيه هذا التعسف! كذلك جعل قوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ خطابا للأزواج فيه تعسف ظاهر مع مخالفة سبب نزول الآية الذي ذكرناه. والأولى أن يقال : إن الخطاب في قوله :