نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٧٥
إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ استثناء مفرّغ، أي لا تقربوها في حال من الأحوال إلا في حال عبور السبيل، والمراد به هنا السفر. ويكون محل هذا الاستثناء المفرّغ النصب على الحال من ضمير لا تقربوا بعد تقييده بالحال الثانية وهي قوله : وَلا جُنُباً، لا بالحال الأولى وهي قوله : وَأَنْتُمْ سُكارى فيصير المعنى لا تقربوا الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال السفر، فإنه يجوز لكم أن تصلوا بالتيمم. وهذا قول عليّ وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم، قالوا : لا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال، إلا المسافر فإنه يتيمم لأن الماء قد يعدم في السفر، لا في الحضر، فإن الغالب أنه لا يعدم.
وقال ابن مسعود وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار ومالك والشافعي : عابر السبيل هو المجتاز في المسجد، وهو مرويّ عن ابن عباس. فيكون معنى الآية على هذا : لا تقربوا مواضع الصلاة - وهي المساجد - في حال الجنابة إلا أن تكونوا مجتازين فيها من جانب إلى جانب. وفي القول الأوّل قوة من جهة كون الصلاة فيه باقية على معناها الحقيقي، وضعف من جهة ما في حمل عابر السبيل على المسافر وأن معناه : أنه يقرب الصلاة عند عدم الماء بالتيمم، فإن هذا الحكم يكون في الحاضر إذا عدم الماء، كما يكون في المسافر.
وفي القول الثاني قوّة من جهة عدم التكلف في معنى قوله : إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ، وضعف من جهة حمل الصلاة على مواضعها.
وبالجملة فالحال الأولى أعني قوله : وَأَنْتُمْ سُكارى تقوّي بقاء الصلاة على معناها الحقيقي من دون تقدير مضاف، وكذلك سبب نزول الآية يقوي ذلك.
وقوله إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يقوّي تقدير المضاف : أي لا تقربوا مواضع الصلاة.
ويمكن أن يقال : إن بعض قيود النهي أعني لا تَقْرَبُوا وهو قوله : وَأَنْتُمْ سُكارى يدل على أن المراد مواضع الصلاة.
ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدالّ عليه، ويكون ذلك نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب.