نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٨٢
و قد تنوزع في معنى الطيب فقيل : الطاهر كما تقدم، وقيل : المنبت كما هنا، وقيل : الحلال. والمحتمل لا يقوم به الحجة ولو لم يوجد في الشيء الذي يتيمم به إلا ما في الكتاب العزيز، لكان الحق ما قاله الأولون. لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :«فضلنا الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» «١». وفي لفظ :«و جعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» وفي لفظ :«و جعل ترابها لنا طهورا».
فهذا مبين لمعنى الصعيد المذكور في الآية، أو مخصص لعمومه، أو مفيد لإطلاقه. ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس عن كتاب الخليل : تيمم بالصعيد : أي أخذ من غباره. انتهى. والحجر الصلد ما لا غبار عليه.
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ : هذا المسح مطلق بتناول المسح بضربة أو ضربتين، ويتناول المسح إلى المرفقين أو الرسغين، وقد بينته السنة بيانا شافيا. وقد جمع الشوكاني بين ما ورد في المسح بضربة أو بضربتين وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين في شرحه للمنتقى «٢» وغيره من مؤلفاته بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره.
والحاصل أن أحاديث الضربتين لا يخلو جميع طرقها من مقال ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة. فالحق الوقوف والعمل على ما في الصحيحين من حديث عمار «٣» المقتصر على ضربة واحدة حتى تصح وتثبت الزيادة على ذلك المقدار الثابت.
[الآية السادسة عشرة]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨).
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة
(٢) المنتقى [١/ ٣٣٢ و٣٣٥].
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح [١/ ٤٤٣] ح [٣٣٨] ومسلم في الصحيح ح [٣٦٨].