نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٨٦
عليها إذا لم يجد نصا شرعيا عوضا عن تنزيلها على مذهب إمامه فيما لم يجده منصوصا؟
تاللّه لقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير من معرفة الكتاب والسنة إلى معرفة كلام الشيوخ والأصحاب وتفهم مرامهم، والتفتيش عن كلامهم.
ومن المعلوم يقينا أن كلام اللّه تعالى وكلام رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أقرب إلى الأفهام وأدنى إلى إصابة بلوغ «١» المرام، فإنه أبلغ الكلام بالإجماع، وأعذبه في الأفواه والأسماع وأقربه إلى الفهم والانتفاع، ولا ينكر هذا إلا جلمود الطباع ومن لا حظ له في النفع والانتفاع، والأفهام التي فهم بها الصحابة والكلام الإلهي، والخطاب النبوي هي كأفهامنا، وأحلامهم كأحلامنا، إذ لو كانت الأفهام متفاوتة تفاوتا يسقط معه فهم العبارات الإلهية والأحاديث النبوية لما كنا مكلفين ولا مأمورين ولا منهيين لا اجتهادا ولا تقليدا.
أما الأول : فلاستحالته، وأما الثاني : فلأنا لا نقلد حتى نعلم أنه يجوز لنا التقليد، ولا نعلم ذلك إلا بعد فهم الدليل من الكتاب والسنة على جوازه لتصريحهم بأنه لا يجوز التقليد في جواز التقليد، فهذا الفهم الذي فهمنا به هذا الدليل نفهم به غيره من الأدلة من كثير وقليل.
على أنه قد شهد المصطفى صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنه يأتي من بعده من هو أفقه ممن في عصره وأوعى لكلامه حيث قال :«فرب مبلّغ أفقه من سامع» «٢» وفي لفظ :«أوعى له من سامع».
والكلام قد وفيناه حقه في الرسالة المذكورة. انتهى كلام السبل. وقد بسطت القول في ذلك في رسالتي «الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة».
[الآية السابعة عشرة] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩).
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ : طاعة اللّه عزّ وجل هي امتثال أوامره
(٢) [متفق عليه ] أخرجه البخاري في الصحيح [٣/ ٥٧٣ - ٥٧٤] ح [١٧٤١، ٦٧، ١٠٥، ٣١٩٧، ٤٤٠٦] ومسلم في الصحيح ح [١٦٧٩]. [.....]