نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٢٧٠
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ : أي بما أنزله إليك في القرآن، لاشتماله على جميع ما شرعه اللّه لعباده في جميع الكتب السابقة عليه.
وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ : أي أهواء أهل الملل السابقة.
عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ متعلق بلا تتبع، على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا لأهوائهم. وقيل : متعلق بمحذوف، أي لا تتبع أهواءهم عادلا أو منحرفا عن الحق.
وفي النهي له صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن أن يتبع أهواء أهل الكتاب، ويعدل عن الحق الذي أنزله اللّه عليه فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه، وأدركوا عليه سلفهم، وإن كان باطلا منسوخا أو محرفا عن الحكم الذي أنزله اللّه على الأنبياء، كما وقع في الرجم «١» ونحوه مما حرفوه من كتب اللّه.
[الآية الخامسة عشرة]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧).
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ : الطيبات : هي المستلذات مما أحله اللّه لعباده، نهى اللّه الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها، إما لظنهم أن في ذلك طاعة للّه، وتقربا إليه، وأنه من الزهد في الدنيا، وقمع النفس عن شهواتها، أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم، كما يقع من كثير من العوام من قولهم : حرام عليّ، وحرمته على نفسي، ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني.
قال ابن جرير الطبري : لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل اللّه لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح. ولذلك رد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التبتل على عثمان بن مظعون «٢»، فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله لعباده، وأن

(١) حديث تحريف اليهود لآية رجم الزاني والزّانية رواه البخاري (٦/ ٦٣١)، (١٢/ ١٦٦)، ومسلم (١١/ ٢٠٨، ٢٠٩) عن عبد اللّه بن عمر مرفوعا.
(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٩/ ١١٧)، ومسلم (٩/ ١٧٦، ١٧٧).


الصفحة التالية
Icon