نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٢٩٦
[الآية السادسة]
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥).
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ : أمره اللّه سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحى إليه أي القرآن، وفيه إيذان بأن مناط الحل والحرمة هو الوحي لا مجرد العقل.
مُحَرَّماً : غير هذه المذكورات، فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لو لا أنها مكية وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة، وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة «١».
وصحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير «٢».
وتحريم الحمر الأهلية «٣»، والكلاب «٤»، ونحو ذلك.
وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات، كما يدل عليه السياق، ويفيده الاستثناء، فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب والسنة، مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات، وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه اللّه من حيوان وغيره، فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء.
وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره اللّه في هذه الآية، وروي ذلك عن مالك وهو قول ساقط ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه إهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن، وإهمال ما صح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال بحرمة شيء مثلا، بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضي ذلك، ولا موجب يوجبه، مع أن
(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٩/ ٦٥٧)، (١٠/ ٢٤٩)، ومسلم (١٣/ ٨١، ٨٣)، عن أبي ثعلبة الخشني نحوه.
(٣) حديث صحيح : رواه البخاري (٧/ ٤٨١)، ومسلم (١٣/ ٩٠، ٩١)، ابن عمر مرفوعا، وذلك النهي كان في يوم خيبر، وروي عن جمع من الصحابة أيضا.
(٤) تدخل ضمن تحريم كل ذي ناب من السباع.