نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٣٠٢
وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا أمرهم اللّه سبحانه بالاستماع للقرآن، والإنصات له عند قراءته، لينتفعوا به، ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح.
قيل : هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام وقيل : هذا خاص بقراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للقرآن دون غيره! ولا وجه لذلك، مع أن اللفظ أوسع من هذا، والعام لا يقصر على سببه فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة، وعلى أي صفة، مما يجب على السامع، إلا ما استثنى الذي أنزل عليه القرآن صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كقراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه سرا وجهرا، فإنه قد صح في ذلك أخبار شهيرة واضحة، وآثار كثيرة فائحة، توجب تأكد قراءة فاتحة الكتاب، ولزومها للمقتدي، بل صرح غير واحد من أئمة الفقه والحديث المعتبرين بكون ذلك مذهب أكثر الصحابة والتابعين رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.
ولم يصح أثر، فضلا عن خبر، صريح في النهي عن الفاتحة خاصة، وإن استدل جماعة من أهل العلم بالعمومات الواردة فلينصف.
ولقد فصلت المرام بعون اللّه في «مسك الختام» و«الروضة الندية» «١» و«هداية السائل إلى أدلة المسائل» وفيه «إعلام الأعلام بقراءة الفاتحة خلف الإمام» لبعض الأحباب لنا، وهي مختصر نفيس «٢».
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) : أي تنالون الرحمة، وتفوزون بها، بامتثال أمر اللّه سبحانه وتعالى.
[الآية الخامسة] وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥).
وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ : أمره اللّه سبحانه أن يذكره في نفسه، فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأدعى للقبول.
(٢) انظر : الطبري (٩/ ١٦٤)، ابن كثير (٣/ ٥٤١)، الدر المنثور (٣/ ١٥٦)، وتفسير ابن عطية (٦/ ١٩٦).