نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٣٢
ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ مما كان على بني إسرائيل.
وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن الدية فيهم فقال اللّه لهذه الأمة : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى إلى قوله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فالعفو أن يقبل الدية في العمد فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ مما كتب على من كان قبلكم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ بأن قتل بعد قبول الدية فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) «١».
قلت : إن اللّه شرع لهذه الأمة العفو من غير عوض أو بعوض ولم يضيق عليهم كما ضيق على اليهود فإنه أوجب عليهم القصاص ولا عفو، وكما ضيق على النصارى فإنه أوجب عليهم العفو ولا دية.
وقد اختلف أهل العلم فيمن قتل القاتل بعد أخذ الدية فقال جماعة منهم مالك والشافعي : إنه كمن قتل ابتداء إن شاء الوليّ قتله وإن شاء عفا عنه.
قال قتادة وعكرمة والسّدي وغيرهم : يقتل البتة ولا يمكّن الحاكم الوليّ من العفو.
وقال الحسن : عذابه أن يرد الدية فقط ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة.
وقال عمر بن عبد العزيز : أمره إلى الإمام يصنع فيه ما رأى.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : كان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش، وكان أهل الإنجيل إنما هو العفو أمروا به، وجعل اللّه لهذه الأمة القتل والعفو والدية - إن شاؤوا - وأحلها لهم ولم يكن لأمة قبلهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :«من أصيب بقتل فإنه يختار إحدى ثلاث : إما أن يقتص، وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية. فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها أبدا» «٢».

(١) أخرجه البخاري في الصحيح [٨/ ١٧٦] ح [٤٤٩٨، ٦٨٨١] والنسائي في السنن [٨/ ٣٦] وعبد الرزاق في المصنف [١٠/ ٨٥] ح [١٨٤٥٠ و١٨٤٥١] والبيهقي في السنن الكبرى [٨/ ٥١، ٥٢] والدارقطني في السنن [٣/ ١٩٩].
(٢) [حسن ] أخرجه عبد الرزاق في المصنف [١٠/ ٨٦ - ٨٧] ح [١٨٤٥٤] والدارمي في السنن


الصفحة التالية
Icon