نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٣٢٢
و الآخر كانت أكثر من ذلك، فقصر على أربعة أشهر، ليرتاد لنفسه وهو حرب بعد ذلك للّه ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد. وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر.
فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم : وذلك خمسون يوما :
عشرون من ذي الحجة وشهر محرم.
وقال الكلبي : إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عهد دون أربعة أشهر، ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر اللّه أن يتم له عهده، بقوله تعالى : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ.
ورجح هذا ابن جرير وغيره إلى قوله : إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً أي لم يقع منهم أي نقص، وإن كان يسيرا، وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت عليه، فأذن اللّه سبحانه لنبيه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بنقض عهد من نقض، وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته «١».
وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ المظاهرة : المعاونة، أي لم يعاونوا أحدا من أعدائكم.
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ : أي أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص إلى مدتهم التي عاهدتموهم إليها، وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا، وهي أربعة أشهر، أو خمسون يوما على الخلاف السابق «٢». إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤).
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ : انسلاخ الشهر تكامله جزءا فجزءا إلى أن ينقضي، كانسلاخ الجلد عما يحويه، شبه خروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه.
وقد اختلف العلماء في تعيين الأشهر الحرم المذكورة هنا؟ فقيل : هي الأشهر الحرم المعروفة، التي هي : ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد «٣».
(٢) انظر : معاني الأخفش (٢/ ٣٢٦)، الزجاج (٢/ ٤٧٦)، التبيان (٢/ ١١)، زاد المسير (٣/ ٣٩٨).
(٣) دلّ على ذلك ما رواه البخاري (٦/ ٢٩٣)، ومسلم (١١/ ١٦٧، ١٧٠)، عن أبي بكرة مرفوعا