نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٣٧
و الآخر التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة.
وهكذا قوله : وَعَفا عَنْكُمْ يحتمل العفو من الذنب، ويحتمل التوسعة والتسهيل.
وقوله وَابْتَغُوا : قيل : هو الولد، أي ابتغوا بمباشرة نسائكم حصول ما هو معظم المقصود من النكاح وهو حصول النسل، وقيل : ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه - قاله الزجاج وغيره - وقيل : الرخصة والتوسعة، وقيل : الإماء والزوجات، وقيل : غير ذلك مما لا يفيده النظم القرآني ولا دل عليه دليل.
والمراد بالخيط الأبيض : هو المعترض في الأفق، لا الذي هو كذب السرحان فإنه الفجر الكذاب الذي لا يحلّ شيئا ولا يحرمه.
والمراد بالخيط الأسود : سواد الليل. والتبيين إنما يمتاز أحدهما عن الآخر، وذلك لا يكون إلا عند دخول وقت الفجر.
وقوله : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أمر للوجوب، وهو يتناول كل الصيام، وخصه الشافعية بالفرض لورود الآية في بيانه، ويدل على إباحة الفطر من النفل حديث عائشة عند مسلم من أنه أهدي لنا حيس فقال أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل «١».
وأيضا فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل : فعند إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب وغيرهما.
والمراد بالمباشرة هنا : الجماع، وقيل يشمل التقبيل واللمس إذا كانا بشهوة لا إذا كانا بغير شهوة فهما جائزان كما قال عطاء والشافعي وابن المنذر وغيرهم، وعلى هذا يحمل ما حكاه ابن عبد البر من الإجماع على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل، فتكون هذه الحكاية للإجماع مفيدة بأن يكونا بشهوة.
والاعتكاف في اللغة : الملازمة «٢». وفي الشرع : ملازمة مخصوصة على شرط مخصوص «٣». وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب وعلى أنه لا يكون إلا في المسجد. وللاعتكاف أحكام مستوفاة في شروح الحديث ذكرنا طرفا منها في «شرح

(١) أخرجه مسلم في الصحيح [٢/ ٨٠٩] ح [١١٥٤].
(٢) انظر لسان العرب [٩/ ٢٥٥] - [مادة/ عكف ].
(٣) انظر الاختيار للموصلي [١/ ١٧٩].


الصفحة التالية
Icon