نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٣٨٩
و قد ثبت في الصحيح عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :«إن من قذف مملوكة بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال».
ثم ذكر سبحانه شرطا لإقامة الحد على من قذف المحصنات، فقال :
ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ : يشهدون عليهن بوقوع الزنا منهن.
ولفظ ثُمَّ يدل على أنه يجوز أن تكون شهادة الشهود في غير مجلس القذف، وبه قال الجمهور وخالف في ذلك مالك.
وظاهر الآية أنه يجوز أن يكون الشهود مجتمعين ومفترقين وخالف في ذلك الحسن ومالك، [و إذا] «١» لم يكمل الشهود أربعة وأبوا قذفه يحدون حد القذف.
وقال الحسن والشعبي : لا حد على الشهود ولا على المشهود عليه، وبه قال أحمد وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن. ويرد ذلك ما وقع في خلافة عمر رضي اللّه عنه من جلده للثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة.
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً : الجلد : الضرب كما تقدم، والمجالدة : المضاربة في الجلود أو بالجلود ثم استعير للضرب بالعصا والسيف وغيرهما.
وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً : أي فأجمعوا لهم بين الأمرين الجلد وترك قبول الشهادة، لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم اللّه به عليهم بقوله :
وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها «٢».

(١) حرف ما بين [] في المطبوع إلى (ما إذا) والصواب ما أثبت من فتح القدير (٤/ ٨).
(٢) اختلف في ردّ شهادة القاذف، فالجمهور على قبول شهادته إذا تاب، وقال الحنفية : لا تقبل شهادته ولو تاب وصار أصلح الصالحين، لقوله سبحانه : أَبَداً فإنها تفيد الدّوام والاستمرار.
وانظر :(القرطبي ١٢/ ١٧٩).
والقول الثاني : أن يكون الاستثناء من قوله تعالى : وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً أي إلا من تاب، فإنه تقبل شهادته.
وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد، وطاووس.
ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك، وهذا قول أهل المدينة.
والقول الثالث : يروى عن الشعبي أنه قال : الاستثناء من الأحكام الثلاثة.
فإذا تاب وظهرت توبته لم يحدّ، وقبلت شهادته، وزال عنه التفسيق، لأنه قد صار ممّن يرض من الشهداء، وقد قال عز وجل : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)


الصفحة التالية
Icon