نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٤٠١
إلى الأول الشافعي وغيره «١».
وإلى الثاني مالك وأبو حنيفة.
وإلى الثالث بعض أهل العلم - على تفصيل لهم في ذلك. فقالوا : إن خشي على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه وإلا فلا. والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية.
وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح :«و من رغب عن سنتي فليس مني» «٢»، ولكن مع القدرة عليه وعلى مؤنه.
والمراد بالأيامى هنا : الأحرار والحرائر، وأما المماليك فقد بين ذلك بقوله :
وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ : والصلاح : هو الإيمان. وذكر سبحانه الصلاح في المماليك دون الأحرار لأن الغالب في الأحرار الصلاح بخلاف المماليك.
وفيه دليل على أن المملوك لا يزوج نفسه، وإنما يزوجه مالكه.
وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح.
وقال مالك : لا يجوز. ثم رجع سبحانه إلى الكلام في الأحرار فقال : إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ : أي لا يمتنعوا من تزويج الأحرار بسبب فقر الرجل أو المرأة أو أحدهما فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه سبحانه ويتفضل عليهم بذلك.
قال الزجاج : حث اللّه على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر ولا يلزم أن هذا يكون حاصلا لكل فقير إذا تزوج، فإن ذلك مقيد بالمشيئة. وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا.
وقيل : المعنى أنه يغنيه بغنى النفس.
وقيل : المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم اللّه من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا. والوجه الأول أولى.

(١) حديث صحيح : رواه البخاري (٩/ ١٠٤)، ومسلم (٩/ ١٧٥، ١٧٦) عن أنس مرفوعا.
(٢) انظر : البحر المحيط (٦/ ٤٥١)، والطبري (١٨/ ١٢٧)، والقرطبي (١٢/ ٢٤٥)، وابن الجوزي (٦/ ٣٧). [.....]


الصفحة التالية
Icon