نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٤٢٠
و لا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ثم ذكر سبحانه الغاية لذلك فقال : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها.
أوزار الحرب : آلاتها التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع، أسند الوضع إليها وهو لأهلها على طريق المجاز.
والمعنى أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور إلى غاية، هي أن لا يكون حرب مع الكفار.
وقال مجاهد : المعنى حتى لا يكون دين غير دين الإسلام، وبه قال الحسن والكلبي.
وقال الكسائي : حتى يسلم الخلق.
قال الفراء : حتى يؤمنوا ويذهب الكفر. وقيل : المعنى حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارهم وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة.
وروي عن الحسن وعطاء أنهما قالا : في الآية تقديم وتأخير، والمعنى : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها، فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق «١».
وقد اختلف العلماء في هذه الآية : هل هي محكمة؟ أو منسوخة؟
فقيل : إنها منسوخة في أهل الأوثان، وأنه لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم، والناسخ لها قوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة : ٥] وقوله : فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ [الأنفال : ٥٧]، وقوله : وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة : ٣٦]، وبهذا قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وكثير من الكوفيين «٢».
قالوا : والمائدة آخر ما نزل، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على
(٢) وممن قال بدعوى النسخ أيضا : شعبة عن الحكم ومغيرة بن شعبة والحسن البصري ومجاهد وهو مذهب أبي حنيفة وانظر : القرطبي (١٦/ ٢٢٧)، الدر المنثور (٦/ ٤٦، ٤٧)، والناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢/ ٣٧٢).