…إن كل متعلم له طبيعة خاصة مما يتطلب من المعلم"أن يجرد ذهنه ويعلم حاله"((١))، لأن من الناس من "يحفظ عشر ورقات في ساعة ومنهم من لا يحفظ نصف ساعة في أيام، فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشر ورقات تشبهاً بغيره لحقه الملل، وأدركه الضجر، ونسي ما حفظ، ولم ينتفع بما سمع، فليقتصر كل امرئٍ من نفسه على مقدار يبقى فيه ما لا يستفرغ كل نشاطه، فإن ذلك أعوّن على التعليم من الذهن الجيد والمعلم الحاذق"((٢))، ولما كان لكل متعلم قدرات واستعدادات خاصة به، ولذلك ترتب على المعلم أن يسير معه بقدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فيُنّفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر- ﷺ -حيث قال:((نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم)) ((٣))، فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها.... وعلى المعلم ألا يفشي كل ما يعلم إلى كل حدٍ، هذا إذ كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلاً للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه؟ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الأفكار لتفاوت المعيار((٤)).

(١) - ابن جماعة: تذكرة السامع، ص٥٦.
(٢) - الخطيب البغدادي: الفقيه والمتفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، ص١٠٧.
(٣) - روي في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخذ منه، وعند أبي داود من حديث عائشة((انزلوا الناس منازلهم)).
(٤) - الغزالي: إحياء علوم الدين، مرجع سابق، ج١، ص٥٧.


الصفحة التالية
Icon