بمعنى أن الإنسان يحب كل ما يحافظ على استقراره العاطفي والنفسي، ويكره كل ما عداه، ولأن هذا مما فطر عليه الإنسان، فإنه يحب الخير حباً جماً، ولا يتأخر عن إشباعها، ودور معلم القرآن الكريم أن يبرز في تفهيم تلميذه أن القرآن يتدخل فقط ليضبط هذه الدوافع، بحيث لا تطغى ولا تسيطر على الإنسان سيطرة تامة، فأعطاها وزنها الحقيقي ولم يحرم الإنسان منها، ولم يدع الإنسان يفرط في إشباعها، حتى ولو كان من طريق حلال، قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ ((١))، كما عليه أن يوضح له أن القرآن حين ينظمها في حدود ما يحبه الله وما يبغضه، فالله لا يحب المعتدين حتى في الحلال أو الحرام، الغالبين فيما أحل أو حرَّم، بإحلال الحرام أو بتحريم الحلال، ولكنه يحب أن يحل ما أحل ويحرم ما حرم((٢))، بل يمد القرآن الخيط إلى أبعد من هذا، فمن أصاب حراماً في سبيل الحاجات الأولية، لمكروه سيصيبه، فهو في حل مادام مضطراً، قال تعالى: ﴿ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ((٣))، إن القرآن يربط العواطف بالله، إذ هو يحرر الإنسان من الخوف، ويعطيه الأمان الكامل، ليؤمِّن حياته، فأعمار الناس في يد الله تعالى وحده، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ ((٤))، فلا معنى للخوف من الموت مادام بيد الله، قال تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ ((٥))، وهو كذلك يؤمِّن حياته من أي ضرر يتوقعه، قال تعالى: ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ﴾

(١) - سورة: الأعراف، آية[٣١].
(٢) - ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ط(د. ت) دار التراث، القاهرة، ص٤٠٣.
(٣) - سورة: المائدة، آية[٣].
(٤) - سورة: ق، آية[٤٣].
(٥) - سورة: النساء، آية[٧٨].


الصفحة التالية
Icon