غير أَن الْكسَائي قَرَأَ بهمزتين وَنَافِع بِالْمدِّ وحجتهما فِي ذَلِك أَن الِاسْتِفْهَام إِذا دخل فِي أول الْكَلَام أحَاط بِآخِرهِ وَالَّذِي يدل على هَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿أئذا مَا مت لسوف أخرج حَيا﴾ وَقَوله أَيْضا ﴿أَفَإِن مت فهم الخالدون﴾ أَلا ترى أَنه لم يعد الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله ﴿فهم الخالدون﴾ وَأُخْرَى لما كَانَ أحد الاستفهامين عِلّة للْآخر كَانَ الْمَعْنى فِي أَحدهمَا دون الآخر وَكَانَ الآخر عِلّة لَهُ يَقع لوُقُوعه ويرتفع بارتفاعه وَيدل عَلَيْهِ ﴿أَفَإِن مت فهم الخالدون﴾ وَلم يعد الِاسْتِفْهَام فِي ﴿فهم﴾ وَهُوَ مَوْضِعه وَكَذَلِكَ قَالَ ﴿أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم﴾ فَلم يعد الِاسْتِفْهَام مَعَ قَوْله ﴿انقلبتم على أعقابكم﴾ وَهُنَاكَ معقد الِاسْتِفْهَام لِأَن معنى الْكَلَام أفهم الخالدون إِن مت وأفتنقلبون على أعقابكم إِن مَاتَ أَو قتل فالموت وَالْقَتْل عِلّة للانقلاب وَالْخُلُود وَكَذَلِكَ كَونهم تُرَابا وموتهم عِلّة لإحيائهم ورجوعهم خلقا جَدِيدا فَلَمَّا كَانَ ذَلِك كَذَلِك جعل الِاسْتِفْهَام لما هُوَ سَبَب للإحياء وَهُوَ الْمَوْت وَالتُّرَاب
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة ﴿أئذا﴾ ﴿أئنا﴾ بالاستفهام فِي الْكَلِمَتَيْنِ وَمذهب ابْن كثير الْقصر وَمذهب أبي عَمْرو الْمَدّ وَمذهب عَاصِم وَحَمْزَة الهمزتان وحجتهم أَن مَوضِع الِاسْتِفْهَام فِي الْكَلِمَة الثَّانِيَة لِأَن الْمَعْنى أئنا لفي خلق جَدِيد إِذا كُنَّا تُرَابا فَإِنَّمَا كَانَ الِاسْتِفْهَام مِنْهُم عَن إحيائهم بعد الْمَمَات وَلم يستفهموا عَن كَونهم تُرَابا أُعِيد فِي مَوْضِعه الَّذِي هُوَ فَائِدَة السامعين فِي استفهامهم وَالْعرب إِذا بدؤوا بِحرف قبل الْموضع الَّذِي أَرَادوا إِيقَاعه فِيهِ أعادوه فِي مَوْضِعه وَقد نزل بذلك الْقُرْآن قَالَ الله جلّ وَعز ﴿أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون﴾


الصفحة التالية
Icon