ومما يذكر هنا ما يروى عن المعتصم أن ملك الروم كتب إليه يتوعده ويتهدده، فأمر الكتاب أن يكتبوا جوابه، فلم يعجبه مما كتبوا شيئًا، فقال لبعضهم: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار. قال القلقشندي: (هذا مع ما ينسب إلى المعتصم من ضعف البصر بالعربية... ، ولا يستكثر مثل ذلك على الطبع السليم، والرجوع إلى سلامة العنصر وطيب المحتد)(١).
ومن العجيب أن تكون ألفاظ القرآن جارية على ألسنة الكتاب من الكفار، ومن أمثلة ذلك ما يذكر عن أبي إسحاق إبراهيم بن هلال، الصابي لقبًا وديانة، الذي (لم يهده الله تعالى للإسلام، كما هداه لمحاسن الكلام) أنه كان (يحفظ القرآن حفظاً يدور على طرف لسانه، وسن قلمه) كما قال الثعالبي، وقال: (برهان ذلك ما أوردته في كتاب الاقتباس من فصوله التي أحسن فيه كل الإحسان، وحلاها بآي من القرآن)(٢).
(٢) يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، للثعالبي: ٢/٢٤١-٢٤٢.