وتعاهد القرآن الكريم بالتلاوة والمدارسة وكثرة المطالعة، ولاسيما في أوقات الخلوات وانقطاع الشواغل والملهيات مع التدبر والتفهم، وسيلة لا غنى للمتفقه عنها، فإنه لن تنال حقائقه ولن تجتنى فوائده إلا أن يتلى حق تلاوته ويتدبر حق تدبره، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [صّ: ٢٩] وذلك من غير تكلف وتصنع، وتسور لما استأثر الله بعلمه (١).
وفي الأخذ عن علماء التفسير، والرجوع إلى مؤلفاتهم القيَّمة التي قاموا فيها بإيضاح القرآن بالقرآن وحشدوا فيها الأحاديث والآثار المفسرة له وقدموا خلاصة ما توصلوا إليه من فهم ومعرفة، ما يعين على الفهم الصحيح للقرآن وإدراك معانيه ومعرفة أحكامه.
وكلما ازداد تعظيم القرآن في قلب المتفقه وتشربت نفسه بمحبته وصدق بيناته وأحكامه ونصح لكتاب الله ازداد فقهاً وفهماً ورشداً ؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: ١٧]. أما تطبيق هذه الأحكام، فلا تحاز ناصية الفقه إلا به ولا تُدرك إلا بفضله، وهو هدي السلف الأول؛ فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن)(٢).
وبه فاق فقه السلف فقه من بعدهم، وتمتع بالسمو والجلال (٣) والعلو والكمال وحسن الاستدلال...
المبحث الثالث
أثر تعلم القرآن الكريم في تنمية القدرة على الاجتهاد
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: أثر تعلم القرآن الكريم في معرفة اللغة العربية.
المطلب الثاني: أثر تعلم القرآن الكريم في معرفة المقاصد الشرعية والقواعد الفقهية.
المطلب الثالث: أثر تعلم القرآن الكريم في معرفة طرائق الاستنباط.

(١) ينظر: الطبري، التفسير ١/٨٤، ٨٧.
(٢) سبق تخريجه في المقدمة.
(٣) ينظر: الشافعي، الرسالة ١٩.


الصفحة التالية
Icon