فأحمد الله عز وجل على أن يسر لي الكتابة في هذا الموضوع، على ضيقٍ في الوقت وتزاحمٍ في الأعباء.
وأحسب أن الحديث عن مثل هذا الموضوع ذو أهمية بالغة ولاسيما للمشتغلين بتعليم القرآن الكريم، الذين يسعدهم أن يقدموا للمجتمع رجالاً ونساءً صالحين قادرين على الإسهام في إعزاز الأمة ورفعتها، في هذا الزمن الذي اكتظ بالمغريات وكثرت فيه الملهيات، وصرفت الدنيا وجوه الناس إلى الدعة والخمول وإيثار القعود.
فما أحوج الأمة إلى الفقهاء المستبصرين، الذين تربوا على مائدة القرآن وتشرَّبت قلوبهم بمحبته وتعظيم شرع الله ودينه، وامتلأت صدورهم بمحبة الله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، فسخروا ملكاتهم لخدمة المسلمين وبذلوا خلاصة أوقاتهم للتعليم والإصلاح، وأعادوا بسمتهم وهديهم سيرة السلف الصالح. فكانوا مثالاً للإخلاص والصدق، والسعي الجاد إلى معرفة الأحكام الشرعية دون مواربة أو مقاربة أو خروج عن الدليل.
وانتفعوا بعظات القرآن وبيانه في قهر طغيان النفس ونزواتها، وتعلموا منه معاني الصبر والعزيمة على نشر الدين وحمايته والذب عنه، وكبح جماح الغلاة والجفاة ودعاة الانسلاخ من قيم الدين ومثله، من العلمانيين والعصرانيين المضلِّلين.
وإني لأرجو في نهاية هذا البحث المقتضب، أن تتوجّه جهود القائمين على الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم إلى مزيدٍ من البذل والعطاء ؛ لغرس حب التفقه في نفوس الناشئة، ولفت أنظارهم إلى ما ورد في القرآن الكريم من أحكامٍ فقهية وقواعد شرعية ودعوة إلى العناية بالدليل والاهتمام بالعمل والتطبيق، ومحاولة وضع برنامجٍ عمليٍ مساندٍ للتفقه، لتتضافر الجهود وتتكامل من أجل نهضة فقهية شاملة.


الصفحة التالية
Icon