إذاً استقبلت فكرة الترادف الثابت القديمة (؟) بالهتاف والتصفيق في بدايات طرحها، وما زال لها أتباعها. ومن أهم أسباب هذا الصيت الذائع لها رفضها إسباغ أي خصوصية على لغة الإنجيل، وضرب عرض الحائط بقدسيتها، علماً أنها من وضع البشر. ترى هل هناك مترجم مسلم مستعد لضرب عرض الحائط بقدسية لغة القرآن العظيم وخصوصيتها باعتبارها كلام الله؟ هل هناك من يترجم وليس في ذهنه أن الله تعالى أنزل كل حرف من حروف القرآن، وكل بلاغة وبيان وإعجاز فيه؟ وأنه وحي منه سبحانه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذا قبل المترجم أن يلغي مؤلف نص بشري، فهل يقبل أن يمس حرمة الوحي القرآني وقدسيته؟ الجواب بلا طبعاً. لقد نزل النص القرآني بشكل ومضمون محددين وثابتين نحواً وأسلوباً ومعنى، ولا يمكن المحافظة على خصوصيته وقدسيته هذه إلا بمتابعته متابعة حرفية نحواً وأسلوباً ومعنىً وبلاغة وبياناً وثقافة من دون تحريف ولا تغيير ولا إسقاط لأي عنصر نحوي أو أسلوبي أو دلالي بأي حجة كانت. بعبارة أخرى، تُطوَّع اللغة الهدف لمتطلبات لغة النص القرآني وشروطها، وليس العكس كما زعم نايدا وأتباعه. والقرآن ليس إنجيلاً على أية حال، فما نطق به الوحي الإلهي ليس كالذي نطق به البشر.
... لذا من السذاجة أن تكون معايير الترجمة الأفضل للقرآن الكريم ملبية لشروط قارئ اللغة الهدف واحتياجاته، أو أن توضع بناء على مقتضيات لغته. ومن الأمثلة التي أقحمها بعض الباحثين بالنقاش على هذا الأساس -أساس مقتضيات اللغة الهدف- أسلوب التكرار في القرآن الكريم. وهو أسلوب بلاغي صرف، له مضامينه الأسلوبية والدلالية المهمة للمعنى. إذ اعتبر بعض هؤلاء الباحثين(١) أن ترجمته إلى الإنجليزية غير واردة نظراً لعدم وجوده في اللغة الإنجليزية أو عدم ملاءمته لمقتضيات اللغة أو عدم تقبل القارئ الإنجليزي له. وفي هذا مغالطات عدة:

(١) ساب(٢٠٠٢) وغيره.


الصفحة التالية
Icon