القرينة الأولى: أن المصنفات أو المرويات عن الصحابة والتابعين إنما هي كتبٌ يروونها عن بعض، وليست محفوظات تُحْفَظ في الصدور، ولذلك فإن أقلَّ المحفوظات في الأبواب في الشرع هي في التفسير، فكان ثمة نُسَخٌ تُروى، واشتهرت؛ كتفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وتفسير عطيةَ العوفي عنه، وتفسير السُّدي عن أشياخه، وتفسير قتادة الذي يرويه عنه معمر بن راشد وسعيد بن أبي عروبة، وتفسير الضَّحاك بن مُزاحم، وكذلك تفسير مجاهد بن جَبْر الذي يرويه عنه القاسم بن أبي بَزَّة وغيرهم. وهذه الصحف تُروى وتُحْمل إن كان الراوي لها ليس متهمًا بالكذب؛ لأنه يحمل على أنه يُحدِّث من هذه الصحف؛ فالأئمة يُطلقون القول بتضعيف الراوي، ويريدون بذلك - غالباً - رواياتِه في الأحكام في الحلال والحرام، وعند العمل والاحتجاج يفرِّقون؛ لأن الأحكام هي المقصودة من الجرح والتعديل، لذا روى الخطيب في "الجامع" عن يحيى بن سعيد قال: تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث، ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيبِر بن سعيد والضَّحاك ومحمد بن السائب، وقال: هؤلاء لا يُحْمَد أمرُهم، ويكتب التفسيرُ عنهم.
وقد يَلْتَبِس على الناظر هذا الأمر، ويختلط عليه من وجهين:
الوجه الأول: أن الأئمة يُطلقون ألفاظ الجرح على الراوي كالتضعيف، فيُشْكِل على الناظر في كتب الرجال والجرح والتعديل والعِلَل كيف تُصَحَّحُ له روايةٌ وقد ضعَّفه الأئمة. ومن المشكل أيضاً حينما يقف على تضعيف إمامٍ ناقدٍ لحديثٍ في الأحكام بسبب راوٍ من رواة التفسير وينصُّ عليه.