ثانيًا : أن بعض الرواة ممن يُضَعَّفُ في الحفظ والرواية قد يقع له ما يُستنكر من المرويات، وهذا لا يُرَدُّ به تفسيرُه، بل يقال: إنه لو وُجِدَ شيء من المنكر - كبعض الحكاية عن بني إسرائيل، أو حُمِلَ بعض معاني القرآن على وجوه شاذَّة - فإن هذا لا يعني اطِّراح قول ذلك المفسر على وجه العموم؛ بل يُقَارَن ذلك بمروياته، فإن كان من المكثرين من المرويات؛ فإنه لا يُعَد ذلك شيئاً يرد حديثه؛ بل يعد ذلك من ضبطه إن وجد له خطأ قليل ؛ فمجاهد بن جبر مروياته بالآلاف في التفسير، ولديه من الأقوال ما هو شاذ، ولديه من الأقوال ما لم يُوَافَق عليه، ومع ذلك فقوله هو المعتمد، وقد أخرج ابن جرير الطبري عن أبي بكر الحنفي قال : سمعت سفيان الثوري يقول : اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبُك" أي تمسَّك به ويكفيك، وقال قتادة: "أعلَمُ من بقي بالتفسير مجاهد". لذلك اعتمد العلماء على تفسيره، كالشافعي والبخاري وغيرهم كثير، ولم يردَّه أحدٌ من أهل العلم، لا متقدم ولا متأخر، وقد أخذ عنه جمع غفير من أصحابه: عكرمة مولى ابن عباس، والفُضيل بن عمرو، وقتادة بن دعامة السَّدوسي، وعطاء ابن أبي رباح، وعمرو بن دينار، ومحمد بن مسلم، وعمرو بن عبد الله بن عبيد، وأيوب بن كيسان، وفِطْرُ بن خليفة، وعبد الله بن عوْن البصري، وغيرهم.
أنواع التفسير المسند
والتفسير المروي بالأسانيد على ثلاثة أنواع :
النوع الأول: المرفوع :
إلى رسول الله ﷺ وهذا قليلٌ، بل قال الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه "الإتقان": ( أصل المرفوع منه في غاية القِلَّة).
وقد جُمعت هذه المروياتُ مؤخراً، وقد توسَّع الجامع في هذا الباب، فوقع في جمعه شيءٌ من الخلط وعدم التحرير والتدقيق. وَجُل هذه المرويات تأتي بأسانيدَ ضعيفةٍ، وبعضها يأتي بأسانيدَ صحيحةٍ؛ منها ما هو مشهور في التفسير ومنها ما لا يعرف في التفسير.