ومجاهد بن جبر إمام التفسير من التابعين على الإطلاق، لا يوازيه في ذلك أحد، ولا يقاربه، وإن كان من أصحاب عبد الله بن عباس من هو أكثر منه؛ كسعيد بن جبير أكثر منه رواية عن عبد الله بن عباس لكن في الحقيقة من جهة أخذ الأقوال، فمجاهد بن جبر أكثر التابعين على الإطلاق أخذاً عنه في التفسير، وروايته أصح المرويات، ولا ريب في ذلك.
وقد استفرغ علمه القرآن، كما قاله عن نفسه، ولذا يعتمد تفسيره الأئمة؛ كالشافعي وأحمد والبخاري وغيرهم؛ قال الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبُكَ به".
تفسير مجاهد كتاب صحيح غير مسموع
وتفسير مجاهد بن جبر كتاب يرويه عنه القاسم بن أبي بَزَّة، وكل من يروي التفسير عن مجاهد هو من طريقه وكتابه، كما قال ابن حبان: (لم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة، وأخذ الحكم وليث بن أبي سُليم وابن أبي نَجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه، ولم يسمعوا من مجاهد).
الروايات عن مجاهد وأصحها
وجاء التفسير عن مجاهد من وجوه عِدة، أصحها ما يرويه ابن أبي نَجيح عنه، وإن لم يسمعه من مجاهد، كما قاله يحيى القطان وابن حبان، فهو كتاب صحيح، نص على صحة تفسيره الثوري كما حكاه عنه وكيع، وصححه ابن المديني أيضاً.
وعدم السماع ليس علة مطلقاً، بل هناك مما لم يسمع ما هو أصح مما سمع، لقرينةٍ قوية دفعت تلك العلة، كاحتراز الناقل وشدة تحريه؛ كسعيد عن عمر، أو لكونه من كتاب صحيح، كرواية التفسير عن مجاهد، أو لمعرفة الواسطة ولم تذكر، كالنخعي عن ابن مسعود، وابن سيرين عن ابن عباس.
وقد يُشْكِل على البعض أن من يروي عن مجاهد بن جبر لم يسمع التفسير منه، وإنما هو من كتاب؛ فيقال: إن القاسم بن أبي بَزَّه هو من الثقات الكبار، وكتابه صحيح، وقد اعتنى بكتابه؛ فكل من روى عنه ذلك الكتاب على أخذٍ صحيح؛ فالرواية عنه صحيحةٌ معتبرةٌ.