وما يُعرف بالمشاهدة، أو ما يُسلَّم دخوله تحت لفظ عام يشمل جملة من الأفراد؛ كالكواكب مثلاً معروفة بالمشاهدة ويدخل تحتَها ما لا يحصى من الأفراد، بيانُه حَشْوٌ، فببيان أن الشمس موجودةٌ والقمر موجود والكواكب موجودة، والإنسان يعلم هذا بالمشاهدة، هذا مما يُسْتقبَح ذكره، ويستثقلُهُ جمهورُ العقلاء، فضلاً عن البُلغاء؛ لأن هذا عندهم معلومٌ مستقرٌّ في عقولهم، لا يحتاجون فيه إلى خطابٍ وتفسيرِ عالمٍ من العلماء فضلاً عن كتاب مُنَزلٍ من السماء.
الأصل في القرآن أنه واضح عند السلف لا يحتاج إلى تفسير
وكثيرٌ من تفاسير المتأخرين التي يحفَلُ بها الخاصة، لو عُرِضتْ على العرب عند نزول القرآن لزَهدوا فيه، فكثيرٌ مما فيها يعدُّونه لُكْنةًَ وعَيَّاً لا يحتاج إليه، ويروْنه من باب إيضاح الواضحات.
وإذا قُدر أن بعض الناس فيهم احتاج إلى بيان وتوضيح ما عُرض عليه من القرآن، كان هذا من الأعراض النادرة التي لا تعرِض لجمهورهم، ولعُدَّ هذا مِن العَيِّ والقصور، وما تزال مثل هذه الأعراض تزداد حتى غلبت في الناس، فاستثقلوا القرآن بلا تفسيرٍ لألفاظه، كما استثقله الأوائل بالتفسير.
والتفسير ليس مقصوداً لذاته..
وأساليب القرآن معلومةٌ لدى العرب الفصحاء غير خافيةٍ، وإن كان قد يخفى على بعضهم شيء منها؛ وذلك لغرابتها على مسمعه، وعدم اعتياده عليها في لغة قومه، ومن حولهم، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته؛ كلفظ "فاطر"؛ فقد روى الطبري في "تفسيره"، وأبو عبيد عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما (فاطر السموات والأرض)؛ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: لصاحبه: أنا فطرتها ؛ يقول: أنا ابتدأتها.
ومثل ذلك أيضاً: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جُبير أنه سئل عن قوله: (وحنانا من لدنا) فقال: سألت عنها ابن عباس فلم يُجِب فيها شيئاً.
وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لا والله ما أدري ما (وحناناً).