فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام، استمع إلى الآيات، فإذا ذهب عنه قرأها كما وعده الله تعالى، وكان رسول الله كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته وكان يخبرهم بموضع الآيات من السورة، وكان الصحابة يحفظونه بعد نزوله فوراً، وجبريل كان يعرض القرآن على الرسول في كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِضَ فيه.
وكان العمدة في نقل كتاب الله تعالى على الحفظ في الصدور أولاً ثم الحفظ في السطور، ولما مات النبي لم يكن القرآن مجموعاً في مكان واحد فلما كثُر القتل في موقعة اليمامة، اقترح عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق كتابة القرآن الكريم كاملاً مجموعاً في مكان واحد، وبعد أن اقتنع أبو بكر الصديق بفكرة عمر كَلَّف زيد بن ثابت أن يجمعه على مرأى من الناس ومسمع، فكتب القرآن كاملاً، وبقي المصحف عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند ابنته حفصة، حتى اختلف أهل الشام مع أهل العراق في القراءة عندما اجتمعوا في فتح أرمينيه وأذربيجان، فأشار حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان خليفة المسلمين بنسخ المصحف، فشَكَّل عثمان بن عفان لجنة لكتابة القرآن الكريم، وكانت هذه اللجنة مكونة من: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث، فأخذوا المصحف من حفصة رضي الله عنها، ونسخوا منه سبعة نسخ، فأرسل عثمان واحداً إلى الكوفة، وثانياً إلى البصرة، و ثالثاً إلى مكة، ورابعاً إلى الشام، وخامساً إلى اليمن، وسادساً إلى البحرين، وأبقى السابع عنده، ثم أمر كل من معه شيء من القرآن أن يحرقه، وأن يُعاد كتابة القران وفقاً للنسخة التي أرسلها، ولم يكتفِ بذلك بل أرسل مع كل مصحفٍ رجلاً عالماً قديراً حافظاً يُعلِّم الناس ما في هذا المصحف من كلام؛ لأنه العمدة في التلقي والمشافهة، فبدأ الناس يتعلمون القرآن من الصحابة، ثم التابعين حتى كبر في كل عصرٍ أكابر علمائه العارفين العاملين الموثوقين المتفرغين لتعليم القرآن الكريم،


الصفحة التالية
Icon