شرط المعلم أن يكون مسلما بالغا عاقلا ثقة مأمونا ضابطا متنزها عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، ولا يجوز له أن يقرىء إلا بما سمعه ممن توفرت فيه هذه الشروط أو قرأه عليه وهو مصغ له أو سمعه بقراءة غيره عليه، ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى، ولا يقصد بذلك غرضا من أغراض الدنيا كمعلوم يأخذه أو ثناء يلحقه من الناس أو منزلة تحصل له عندهم، وأن لا يطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه، سواء كان مالا أو خدمة وإن قل، ولو كان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه، واختلف العلماء في أخذ الأجرة على الإقراء، فمنعه أبو حنيفة وجماعة، وأجازه آخرون إذا لم يشترط، وأجازه الشافعي ومالك إذا شارطه واستأجره إجارة صحيحة لكن بشرط أن يكون في بلده غيره؛ وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الحميدة المرضية من الزهد في الدنيا والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والحلم والصبر ومكارم الأخلاق وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع؛ وأن ينزه نفسه من الرياء والحسد والحقد والغيبة واحتقار غيره، وإن كان دونه، ومن العجب وقل من يسلم منه، ومن المزاح ودنيء المكاسب، وأن يصون بصره عن الالتفات إلا لحاجة، ويديه عن العبث بهما إلا لحاجة، وأن يزيل نتن إبطه وماله رائحة كريهة به، ويمس من الطيب ما يقدر عليه، وأن يلازم الوظائف الشرعية من قص الشارب وتقليم الظفر، وتسريح اللحية ونحوها، وأن يكون ساكن الأطراف متدبرا في معاني القرآن، فارغ القلب من الأسباب الشاغلة إلا إذا احتاج إلى إشارة للقارىء فيضرب بيده الأرض ضربا خفيفا أو يشير بيده أو برأسه ليفطن القارىء لما فاته ويصبر عليه حتى يتذكر وإلا أخبره بما ترك، وأن يحسن هيئته ولتكن ثيابه بيضاء نقية، وليحذر من الملابس المنهى عنها ومما لا يليق بأمثاله، وأن يراقب الله تعالى في سره وعلانيته ويعول عليه في جميع أموره، وأن لا يقصد التكثر بكثرة المشتغلين عليه، وأن يصلي ركعتين إذا وصل إلى محل جلوسه ويتأكد له ذلك إن كان مسجدا ويستحب له أن يوسع مجلسه ليتمكن جلساؤه فيه ويظهر لهم البشاشة وطلاقة الوجه ويتفقد أحوالهم ويسأل عمن غاب منهم ويسوي بينهم إلا أن يكون أحدهم مسافرا أو يتفرس فيه النجابة أو نحو ذلك. وليقدم الأول فالأول. فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه. ولا بأس بقيامه لمن يستحق الإكرام من الطلبة وغيرهم، وينبغي له أن يوفق بمن يقرأ عليه ويرحب به ويحسن إليه بحسب حاله ويكرمه وينصحه ويرشده إلى مصلحته ويساعده على طلبه بما أمكن، ويؤلف قلبه ويتلطف به، وبحرضه على التعليم، ويذكره فضيلة الاشتغال بقراءة القرآن وسائر العلوم الشرعية ليزداد نشاطه ورغبته، ويزهده في الدنيا ويصرفه عن الركون إليها والاغترار بها، ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ولا يكره قراءته على غيره ممن ينتفع به ولا يتعاظم عليه بل يلين ويتواضع معه، ويحب له ما يحب لنفسه من الخير، ويكره له ما يكره لنفسه من النقص، ويؤدبه على التدريج بالآداب الشرعية والشيم المرضية، ويعوده الصيانة في جميع أموره، ويحرضه على الإخلاص والصدق وحسن النية ومراقبة الله تعالى في جميع حالاته، وأن يحرص على تعليمه مؤثرا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية غير الضرورية. ويحرص على تفهيمه ويعطيه ما يليق به، ويأخذه بإعادة محفوظاته، ويثني عليه إذا ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره، ويعنفه تعنيفا لطيفا إذا قصر ما لم يخش تنفيره، وينبغي أن لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، وأن يصون العلم فلا يذهب إلى مكان ينسب إلى المتعلم ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم خليفة فمن دونه، ويجوز له الإقراء في الطريق خلافا لمن عابه، ولا يجوز له تأخير الإجازة بالإقراء في نظير مال ونحوه عن كل من استحقها، إذ الإجازة ليست مما يقابل بالمال.
آداب المتعلم


الصفحة التالية
Icon