@ كان ففي قلبه منه حرج ومن لم يأتمر بأوامره وينزجر عن زواجره ويصدق جميع أخباره ويحكم أمره ونهيه وخبره ويرد له كل أمر ونهي وخبر خالفه ففي قلبه منه حرج وكل هؤلاء لم تمس قلوبهم معانيه ولا يفهمونه كما ينبغي أن يفهم ولا يجدون من لذة حلاوته وطعمه ما وجده الصحابة ومن تبعهم
وأنت إذا تأملت قوله ﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ وأعطيت الآية حقها من دلالة اللفظ وإيمائه وإشارته وتنبيهه وقياس الشيء على نظيره واعتباره بمشاكله وتأملت المشابهة التي عقدها الله سبحانه وربطها بين الظاهر والباطن فهمت هذه المعاني كلها من الآية وبالله التوفيق فصل
ثم أكد ذلك وقرره وأطده بقوله ﴿ تنزيل من رب العالمين ﴾ وكما أنه لازم لكونه قرآنا كريما في كتاب مكنون فهو ملزوم له فهو دليل عليه مدلول له
وأفاد كونه تنزيلا من رب العالمين مطلوبين عظيمين من أجل مطالب الدين
أحدهماأنه المتكلم وأنه منه نزل ومنه بدأ وهو الذي تكلم به ومن هنا قال السلف منه بدأ ونظيره ﴿ ولكن حق القول مني ﴾ وقوله ﴿ قل نزله روح القدس من ربك ﴾
والثاني علو الله سبحانه فوق خلقه فإن النزول والتنزيل الذي تعقله العقول وتعرفه الفطر هو وصول الشيء من أعلا إلى أسفل والرب تعالى إنما يخاطب عباده بما تعرفه فطرهم وتشهد به عقولهم وذكر التنزيل مضافا إلى ربوبيته للعالمين المستلزمة تملكه لهم وتصرفه فيهم وحكمه عليهم وإحسانه وإنعامه عليهم وإن من هذا شأنه مع الخلق كيف يليق به مع ربوبيته التامة أن يتركهم سدى ويدعهم هملا ويخلقهم عبثا لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يثيبهم ولا يعاقبهم فمن أقر بأنه رب العالمين أقر بأن القرآن تنزيله على رسوله واستدل بكونه رب العالمين على ثبوت رسالة رسوله وصحة ما جاء به وهذا

__________


الصفحة التالية
Icon