@ فيها والغرسى والزرع وبعث النوم عليها والمشي فيها ونبه بكونها قرارا على الحكمة في أنها لم تخلق في غاية اللين والرخاوة والدماثة فلا تمسك بناء ولا يستقر عليها الحيوان ولا الأجسام الثقيلة بل جعلها بين الصلابة والدماثة وأشرف الجواهر عند الإنسان الذهب والفضة والياقوت والزمرد فلو كانت الأرض من هذه الجواهر لفاتت مصالح العباد والحيوان منها وتعطلت المنافع المقصودة منها وبهذا يعلم أن جواهر التراب أشرف من هذه الجواهر وأنفع وأبرك وإن كانت تلك أعلى وأعز فغلاؤها وعزتها لقاتها وإلا فالتراب أنفع منها وأبرك وأنفس وكذلك لم يجعلها شفافة فان الجسم الشفاف لا يستقر عليه النور وما كان كذلك لم يقبل السخونة فيبقى في غاية البرد فلا يستقر عليه الحيوان ولا يتأتى فيه النبات وكذلك لم يجعلها صقيلة براقة لئلا يحترق ما عليها بسبب انعكاس أشعة الشمس كما يشاهد من احتراق القطن ونحوه عند انعكاس شعاع الجسم الصقيل الشفاف فاقتضت حكمته سبحانه أن جعلها كثيفة غبراء فصلحت أن تكون مستقرا للحيوان والأنام والنبات
ولما كان الحيوان الهوائي لا يمكنه أن يعيش في الماء كالحيوان المائي أبرز له جانبها كما تقدم وجعله على أوفق الهيئات لمصالحه وأنشا منها طعامه وقوته وكذلك خلق منها النوع الإنساني وأعاده إليها ويخرجه منها فصل
ومن آياتها إن جعلها مختلفة الأجناس والصفات والمنافع مع أنها قطع متجاورات متلاصقة فهذه سهلة وهذه حزنة تجاورها وتلاصقها وهذه طيبة تنبت وتلاصقها أرض لا تنبت وهذه تربة وتلاصقها رمال وهذه صلبة ويلاصقها ويليها رخوة وهذه سوداء ويليها أرض بيضاء وهذه حصى كلها ويجاورها أرض لا يوجد فيها حجر وهذه تصلح لنبات كذا وكذا وهذه لا تصلح له بل تصلح لغيره وهذه سبخة مالحة وهذه بضدها وهذه ليس فيها جبل ولا معلم وهذه مسجرة بالجبال وهذه لا تصلح إلا على المطر وهذه لا ينفعها المطر بل لا تصلح إلا على سقي الأنهار فيمطر الله سبحانه الماء على الأرض البعيدة وهذه لا ينفعها المطر ويسوق الماء إليها على وجه الأرض