٦_ المعلم في شرح مسلم.
وللأسف الشديد ضاع معظم مؤلفاته التي تقدر بعشرين مؤلفا، ولم يبق منها إلا النّزر اليسير، وأهمّ الكتب التي أفلتت من يد الزمن (كتاب الشفا) الذي يبرز عقليّة الرجل ومنهجه في الفهم وطريقته في التأليف، ومن هذا الكتاب نستطيع أن نعرف مفهوم الرجل للإعجاز القرآني.
ولم يخصص القاضي عياض للإعجاز القرآني كتابا مستقلا، ولكنه تناول هذا الموضوع بين ثنايا كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى١) صلى الله عليه وسلم، وأثناء حديثه عن معجزات الرسول؛ فقد خصّص فصلا صغيرا جعل عنوانه (فصل في إعجاز القرآن) ذكر فيه أوجه الإعجاز القرآني كما رآها هو.
فهو يرى أن الإعجاز القرآني ينحصر في أربعة أوجه:
أولها: حُسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب.
وثانيها: صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب، ومناهج نظمها ونثرها الذي جاء عليه، ووقفت مقاطع آيِه وانتهت فواصل كلماته إليه، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.
وثالثها: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما لم يكن ولم يقع؛ فوُجد كما ورد على الوجه الذي أخبر.
والوجه الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذّ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك.
ويعلل القاضي عياض للأسباب التي جعلت من حسن تأليف القرآن التئام كلمه وجها من أوجه الإعجاز التي تميّز بها؛ فيقول: "وذلك أنهم (أي العرب) كانوا أرباب هذا الشأن وفرسان الكلام؛ فقد خُصّوا من البلاغة والحكم بما لم يُخصّ به غيرهم من الأمم، وأوتوا من ذرابة اللسان٢ ما لم يُؤتَ إنسان،
٢ ذرابة اللسان: حذقه.