(٧٣: الأعراف)، فقالوا: هي رمز لحجة دامغة وسلطان قاهر، أذعن له القوم، وتأولوا ما ورد في القرآن عن شربها١ في قوله تعالى: ﴿قَال هَذِهِ نَاقَةٌ لهَا شِرْبٌ وَلكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ ٢ (١٥٥: الشعراء)، بأن معنى هذا الشرب هو أن هذه الحجة قد أبطلت جميع ما خالفها.
وتغافلوا عن وصف القرآن لها بأنها ﴿تَأْكُل فِي أَرْضِ اللهِ﴾ (٧٣: الأعراف) وقوله: ﴿لهَا شِرْبٌ﴾ (١٥٥: الشعراء)، وأنهم عقروها ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾ (١٤: الشمس)، وكل هذا ينقض دعواهم.
رابعا: تأويل الهدهد بأنه رجل وليس طائرا:
وقرأوا ما ذكره الله في كتابه عن هدهد سليمان في قوله سبحانه: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَال مَا لِيَ لا أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبِينَ﴾ (٢٠: النمل)، واستبعدوا كيف يتكلم هذا الهدهد؟ وكيف يقول لسليمان عليه السلام كما ذكر الله سبحانه: ﴿أَحَطْتُ بِمَا لمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ﴾ (٢٢: النمل) فقالوا: إن الهدهد رمز لرجل، أو أنه اسم لجندي من جنود سليمان عليه السلام، كانت مهمته أن يجمع له المعلومات.
ولو أن هؤلاء فهموا ما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾، وقوله تعالى: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ (١٦: النمل) وكانت لهم عقول يعلمون بها أن الهدهد طائر من هذا الطير لما قالوا بهذا، ولقد كان الطير جنودا لسليمان كما قال تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُليْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ (١٧: النمل)
وقد ذكر الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره٣ مطاعن الملاحدة في قصة الهدهد فأطال في ذكرها، وأوجز في نقضها، ولست أرى ما يدعو إلى ذكرها.
خامسا: تأويل النمل بأنهم قوم ضعاف:
وحامت في نفوسهم وساوس الريب حول قول الله جل ذكره: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلى وَادِ النَّمْلِ قَالتْ نَمْلةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُليْمَانُ

١ الشرب بكسر الشين: النصيب من الشراب.
٢ كانت الناقة آية من الله سبحانه، ومعجزة لصالح عليه السلام، والمعجزة أمر خارق للعادات لكن الفكر المتشيع للمادية لا يؤمن إلا بما عاينه ولامسه؛ لأن عيونهم كليلة، وفي القلوب أمراضها.
٣ انظر مفاتح الغيب للفخر الرازي ح ٢٤ ص ١٩٠- ١٩١ ط دار المصحف.


الصفحة التالية
Icon