وكل هذا يدل على أن النمل عالم عجيب غريب، وهو من بعض آيات الله في خلقه.
وإنما أطلنا القول في هذه المسألة لنبين لأصحاب التأويلات الجانحة أنهم ليسوا على شيء مما يدعون؛ فلا العلم بمؤيد لهم - وإن زعموا أنهم فيه متبحرون - ولا ظهير من الرشاد.
سادسا: تأويل عقاب المسخ:
ومن أمثلة التأويلات التي يتحكم فيها جموح العقل، فيغدو النص القرآني محكوما بضيق التصور، ويصبح مقيدا بقيود (الواقعية المادية المحدودة) و (العقلانية) المزعومة، من هذه الأمثلة تأويل المسخ الذي ضربه الله عقابا على المعتدين من بني إسرائيل تأويلا لا برهان لهم به.
فقد ورد الحديث عن المسخ في أربعة مواضع من القرآن الكريم، هي قوله عز من قائل:
١) ﴿وَلقَدْ عَلِمْتُمُ الذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلنَا لهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلمُتَّقِينَ﴾ (٦٥، ٦٦: البقرة).
٢) ﴿قُل يَا أَهْل الكِتَابِ هَل تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِل إِليْنَا وَمَا أُنْزِل مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ، قُل هَل أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَليْهِ وَجَعَل مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ (٥٩، ٦٠: المائدة).
٣) ﴿فَلمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلنَا لهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ (١٦٦: الأعراف).
٤) ﴿وَلوْ نَشَاءُ لمَسَخْنَاهُمْ عَلى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلا يَرْجِعُونَ﴾ (٦٧: يس).
١-أقدم محاولة لتأويل المسخ:
وأقدم ما وصلنا من الآراء في تأويل المسخ، هذا الرأي الذي قال به المفسر التابعي مجاهد بن جبير وهو١: "مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وغنما هو مثل ضربه الله لهم كما مثلوا بالحمار في قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ (٥: الجمعة).
٢- رأي الطبري:
نقل شيخ المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري هذا الرأي في تفسيره٢
٢ انظر تفسير الطبري جامع البيان ج ٢ ص ١٧٣ ط المعرف المحققة.