لسورة البقرة معزوا إلى مجاهد، ووصفه بأنه "قول لظاهر ما يدل عليه كتاب الله مخالف".
ثم إن الطبري رحمه الله كرّ على هذا الرأي بما ينقضه، وذكر عقوبات الله لهم فقال: "وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، كما أخبر أنهم قالوا لنبيهم: ﴿أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً﴾ (١٥٣: النساء)، وأن الله - تعالى ذكره - صعقهم عند مسألتهم ذلك نبيهم، وأنهم عبدوا العجل فجعل توبتهم قتل أنفسهم، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (٢٤: المائدة) فابتلاهم بالتيه، فسواء قائل قال: هم لم يمسخوا قردة، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير، وآخر قال: لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم؛ من الخلاف على أنبيائهم، والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم، ومن أنكر من ذلك شيئا من ذلك وأقر بآخر منه، سئل البرهان عن قوله، وعورض - فيما أنكر من ذلك - بما أقر به، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح.
هذا مع خلاف قول مجاهد، قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلا على فساد قول إجماعها على تخطئته١. ا؟.
٢- رأي الزمخشري:
ومع اعتزاليات الزمخشري وولعه بالتأويل؛ فإنه لم ينهج هذا المنهج مع عقوبة المسخ فقال٢: ( ﴿قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء، وهو الصَّغار والطرد، ﴿فَجَعَلنَاهَا﴾ يعني المسخة ﴿نَكَالاً﴾ عبرة تنكل من اعتبر بها: أي تمنعه، ومنه النِّكل: القيد، ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ لما قبلها، ﴿وَمَا خَلفَهَا﴾ وما بعدها من الأمم والقرون، لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها٣، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين، أريدَ بما بين يديها ما بحضرتها من القرى والأمم٤، وقيل: ﴿نَكَالاً﴾ عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من ذنوبهم، وما تأخر منها، ﴿وَمَوْعِظَةً لِلمُتَّقِينَ﴾ للذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم أو لكل متق سمعها. ا؟.
٤- رأي الجاحظ:
للجاحظ في موسوعته (الحيوان) استطرادات كثيرة، ولقد تعرض لموضوع المسخ، ومع
٢ انظر الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ج ١ ص ٢١٩ ط الحلبي.
٣ هذا الوجه في تفسير ﴿لما بيد يديها﴾ بعيد، ولا دليل عليه.
٤ وهذا وما بعده هو الأولى.