ولكنه عند قوله تعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ (١٦٦: الأعراف) صرح بالتأويل؛ فقال: والمراد أصبحوا كالقردة في الاحتقار.
سابعا: تأويل (طمس الوجوه) بالرؤساء والمقاصد والأماكن:
يقول الله جل ذكره: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلعَنَهُمْ كَمَا لعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾،
(٤٧: النساء).
من المفسرين من حمل الطمس في هذه الآية على ظاهره، ومنهم من سلك به أودية المجاز؛
وبيان ذلك كما يلي١:
١) تفسير الوجه بمعناه الجسماني وهو وجه البدن:
وقد استعملت الكلمة في القرآن الكريم بهذا المعنى في أكثر مواضع ورودها، كما في قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ (٦: المائدة)، ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ (٦: المائدة)، ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾ (١٤٤: البقرة)، وهو بهذا المعنى المادي في ١٤٩، ١٥٠: البقرة أيضا، ومن هذا الاستعمال أيضا: ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ (٢٩ك الذاريات)، كل هذه الآيات وغيرها كثير، استعمل فيها الوجه بمعناه الحقيقي الجسماني.
وعلى هذا المعنى فسر طمس الوجه بما يلي:
أ – محو آثارها من العينين والحاجبين والأنف والفم حتى تصير كالأقفاء، فيصبح الوجه والقفا سواء في عدم الحواس والمعالم.
ب- أن المقصود بطمس الوجوه: تحويلها من جهة الأمام إلى القفا، فتصبح العينان في القفا فيمشون على أعقابهم القهقرى.
ج- أن المقصود بطمس الوجوه: طمس العين فتصير عمياء، كما استشهد الطبري لهذا المعنى بقوله: (ومن ذلك قيل للأعمى الذي تعفَّى غرُّ ما بين جفني عينيه فدثر: (أعمى مطموس، وطميس)، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَلوْ نَشَاءُ لطَمَسْنَا عَلى أَعْيُنِهِمْ﴾ (٦٦: يس) قال أبو جعفر: الغر ُّ (الشق الذي بين الجفنين) ا؟.

١ رجعنا في تفسير الآية إلى تفسير الطبري ج ٨ ص ٤٤٠- ٤٤٨ ط المعارف المحققة، ابن كثير ج ١ ص ٥٠٧، ٥٠٨ ط الحلبي، والكشاف للزمخشري ج ١ ص ٤٠٦ ط الحلبي، ومحاسن التأويل للقاسمي ج ٥ ص ١٢٨٢ – ١٢٨٦، وتفسير المنار ج ٥ ص ١١٧- ١١٨، وإلى معاجم ألفاظ القرآن الكريم وبعض المعاجم اللغوية.


الصفحة التالية
Icon