منها هذا فهما أوليا، لكان إيمانهم بعدها إيمان إلجاء واضطرار، وهو ينافي التكليف الشرعي، وذهب إلى أن هذه الآية هي كقوله تعالى: ﴿وَلوْ نَشَاءُ لطَمَسْنَا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ، وَلوْ نَشَاءُ لمَسَخْنَاهُمْ عَلى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلا يَرْجِعُونَ﴾ (٣٦: يس).
ثم قال القاسمي: "فهذه عندي تفسير لتلك، والقرآن يفسر بعضه بعضا، وحول تعقيب الآية بقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾ أي ما يأمر به، ويريد وقوعه، وإذا كان الوعيد منوطا بأمره سبحانه، فله أن يمضيه على حقيقته، وله أن يصرفه لما هو أعلم به، إلا أن ورود نظم الآية بهذا الخطاب المتبادر في الوقوع غير المعلق، ليكون أدخل في الترهيب، ومزجرة عن مخالفة الأمر.. هكذا ظهر لنا الآن، وهو أقرب مما نحاه المفسرون هنا من أن العقاب منتظر، أو أنه مشروط بعدم الإيمان إلى غير ذلك" ا؟.
تأويلات شتى حول " مادة الحواريين "
...
ثامنا: تأويلات شتى حول (مائدة الحواريين) :
قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذْ قَال الحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَل يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّل عَليْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَال اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَليْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ، قَال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِل عَليْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، قَال اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العَالمِينَ﴾ (١١٢، ١١٥: المائدة).
اختلف أهل التأويل حول أمر هذه (المائدة) اختلافا عظيما؛ فمنهم من قال بنزولها وأسهب، ومنهم من جحد نزولها، ومنهم من تأول آيات القرآن ليفسرها بغير الثابت والصحيح من أسفار الإنجيل، ومنهم من فسرها بمائدة المعارف الروحية.
وهاكم بعض التفاصيل:
١- الذين جحدوا نزولها:
حدثنا الطبري١ من أنبائهم، وحكى لنا اختلافهم في مقالة الإنكار، فذكر عن بعضهم أنهم قالوا: (إنما هذا مثل ضربه الله تعالى لخلقه، نهاهم به عن مسألة نبي الله الآيات، ولم ينزل شيء).
ونسب هذا الرأي إلى مجاهد.

١ انظر تفسير الطبري ج ١١ ص ٢٣٠- ٢٣١.


الصفحة التالية
Icon