٣- محتويات المائدة:
أسهب بعض المفسرين في ذكر محتويات المائدة من الأرغفة، ومشوي السمك الدسم، وما نضد حولها من كل البقول، وما وضع عليها من الزيتون، والرمان، والثمرات.
ومن هذا ما فعله القرطبي حين نقل عن غيره - وأنصف فذكر أسانيد نقوله - وكان مما قال عن حديث محتويات المائدة: (في هذا الحديث مقال ولا يصح من قبل إسناده)، وبعد مناقشة الأسانيد والكلام في رفعها أنهى مطافه بهذه العبارة الجامعة: "والمقطوع به أنها أنزلت، وكان عليها طعام يؤكل والله أعلم بتعيينه"١.
ولقد سبقه إلى هذا المنهج القويم شيخ المفسرين الطبري حين قال٢: "وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة فأن يقال: كان عليها مأكول، وجائز أن يكون سمكا وخبزا، وجائز أن يكون ثمر من ثمر الجنة، وغير نافع العلم به، ولا ضار الجهل به، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل" ا؟.
٤- المائدة في رواية (إنجيل متى) ٣:
ذكرنا منذ قليل رأي الحافظ ابن كثير الذي يقول فيه: "إن خبر المائدة لا يعرفه النصارى وليس في كتابهم"، ولقد حاول الشيخ عبد الوهاب النجار٤ أن يأخذ من كلام ابن كثير ما يوافق هواه، ثم ادعى أن الإشارة إلى المائدة قد وجدت في كتب النصارى؛ مستندا في ذلك إلى قصة وردت في (إنجيل متى) تتفق بعض الاتفاق مع بعض الروايات الواهية والمدخولة في كتب التفسير عن المائدة، وتختلف كل الاختلاف عن ما ذكره العلي الأعلى في القرآن الكريم عن المائدة.
فما هي رواية (متى) في إنجيله؟
ابتدأ (متى) الإصحاح الرابع عشر بذكر قصة قتل يوحنا (يحيى عليه السلام) على يد الحاكم الروماني هيرودس، ثم انتقل إلى القصة التي توهم الشيخ النجار أنها هي قصة المائدة، ونص عبارات (متى) هو: "ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين: الموضع خلاء،
٢ انظر تفسير الطبري ج ١١ ص ٢٣٢.
٣ ينقسم العهد الجديد وهو الكتاب المقدس عند المسيحيين إلى سبعة وعشرين سفرا منها الأناجيل الأربعة وهي: إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا، ومن اليقين أنها جميعا ليست هي الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على المسيح عيسى عليه السلام، بل هي أشبه بالتاريخ لحياة المسيح عليه السلام مع ذكر بعض الوصايا التي تنسب إليه.
٤ انظر كتاب (قصص الأنبياء) للشيخ عبد الوهاب النجار ص ٤١٢ ط الثالثة.