والقرآن صريح في نزول جبريل عليه السلام، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ (٦٤: مريم)، وقوله سبحانه: ﴿وَلقَدْ رَآهُ نَزْلةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى﴾ (١٣، ١٤: النجم) رأى رسول الله جبريل مرة ثانية على صورة الملائكة عند سدرة المنتهى.
ولقد رأى الرسول جبريل متشكلا في صورة بشرية لرجل من العرب هو دحية الكلبي، وفي حديث الصحيحين المروي عن أبي هريرة وعمر رضي الله عنهما قال عمر: "بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات مرة إذ دخل علينا رجل، شديد بياض الوجه، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر.." الخ الحديث، فهذه كلها صفات حسية.
وفي حديث بدء الوحي في الصحيحين ضم جبريل رسول الله ﷺ إلى صدره ".. فأخذني فغطني١ - بالتاء أو بالطاء - حتى بلغ مني الجهد مبلغه ثم أرسلني.."٢.
كل هذا وغيره كثير يدحض دعاوى الفلاسفة في كيفية الوحي٣.
على أن تصوير الوحي على أنه مكاشفات ومشاهدات على النحو المذكور، قول على الله بغير علم، وغض من قيمة الوحي، وتشكيك في كيفية تلقي القرآن، خاصة إذا علم القارئ أن هذه الألفاظ (المكاشفة والمشاهدة) انتقلت عند المتصوفة والفلاسفة عن وضعها اللغوي إلى وضع اصطلاحي، وعندهم أن المكاشفة تقع بزعمهم للولي فهي دون الوحي.. وإن زعم بعضهم أن مقام الولاية أعلى من مقام النبوة والرسالة، وعبر عن هذا التلبيس بقوله:
مقام النبوة في برزخ | فويق الرسول ودون الولي |