﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً﴾ الملائكة فإن كثيرا من المفسرين يوافقونه على ما ذهب إليه ولكن تأويل كلمة الجن هنا بالملائكة لا يمنع أن تأتي في آية أخرى بمعنى آخر.
ويأتي بعد هذا الادعاء الأكبر في قول الدكتور: "فيما عدا هذين الموضعين فلفظ الجن مفهوم لغوي لا يقصد منه غير المعهود للإنسان شريرا كان أو خيرا ماهرا أو غير ماهر" يأتي هذا الادعاء ليكون المعمول الهدام الذي يقضي على الموضوعية من أساسها إذ كيف يطلق الدكتور مثل هذا الحكم العام دون استقراء تفصيلي لكل آية ورد فيها ذكر الجن؟ ودون أن يتأكد –مع الاستقراء- أن المعنى الذي ادعاه هو المعنى الوحيد المتعين. وسأورد في هذا الرد بعض الآيات والأحاديث النبوية وسأثبت أن ما قصد بلفظ الجن فيها هو العالم غير المرئي فما رأى الدكتور هل سيكون ((تفسيره)) في هذه الحالة سليما وموضوعيا إن المرء ليحار فيما يعنيه الدكتور بالموضوعية في تفسيره! هل يعني بها تفسيرا لا يخضع للسنة –وهي البيان للقرآن- ولا يهتم بتأويل السلف من الصحابة والتابعين وهم حفظة السنة؟! وأي موضوعية هذه؟ أم يريد بها أن يكون التفسير قادرا على مواجهة ((المادية)) ترجمة للشعار الذي كتبه في صدر تفسيره (القرآن في مواجهة المادية) وهل تكون مواجهة المادية بالاعتراف بها وإنكار كل الغيبيات غير المدركة بالحواس؟ وهل تكون هذه مواجهة أم خضوعا وانسياقا وراء المادية؟
القرآن يخاطب الجن كما يخاطب الإنس:
ولقد ورد لفظ الجن كثيرا في القرآن، وإن وروده بهذه الكثرة مما يستدعي انتباه المتأمل لآيات الكتاب. وفي كثير من الآيات يأتي لفظ الجن في مقابلة لفظ الإنس أو يأتي الخطاب لكل منهما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾ فمن هما الثقلان إن لم يكونا نوعين مختلفين هما الإنس والجن؟ ويقول الله تعالى: ﴿خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ وسنتحدث عن هذه الآية فيما يأتي ولكن نلفت النظر هنا إلى ما في الآية من الحديث عن النوعين ومادة كل منهما التي خلق منها، وفي سورة الرحمن نفسها يقول الله سبحانه: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ﴾ فهل يعني القرآن من الجن هنا إنسا غير معهود؟ هذا مع أن الذي يوجه الخطاب هنا هو الله نفسه فكيف يمكن أن يكون الجن عالما غير معهود لخالقه؟! ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ ألا يوافقني الدكتور على استحالة تأويله هنا؟! وأي فائدة لذكر جماعة غير معهودة من الإنس مع أن لفظ الإنس يشمل كل الإنس مهما اختلفت صفاتهم؟