قوله: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ صورتُه استفهامٌ ومعناهُ الأمرُ، أي: أَسْلَموا، كقوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ أي: انتهوا، قال الزمخشري: «يعني أنه قد أتاكم من البيِّنات ما يوجِبُ الإِسلامَ ويقتضي حصولَه لا محالَة، فهل أسلمتم بعدُ، أم أنتم على كفركِم؟ وهذا كقولِك لِمَنْ لَخَّصْتَ له المسألةَ ولم تُبْقِ من طرق البيان والكشفِ طريقاً إلاَّ سَلَكْتَه: هل فهمتها أم لا، لا أُمَّ لك؟ ومنه قولُه عز وجل: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١] بعدَ ما ذَكَرَ الصَّوارِفَ عن الخمرِ والميسرِ، وفي هذا الاستفهامِ استقصاءٌ وتعبيرٌ بالمعانَدَةِ وقِلَّةِ الإِنصافِ، لأنَّ المنصفَ إذا تجَلَّتْ لَه الحُجَّةُ لم يتوقَّف إذعانُه للحق» وهو كلامٌ حسنٌ جداً/ وقوله: ﴿فَقَدِ اهتدوا﴾ دَخَلَت «قد على الماضِي مبالغةً في تحقُّق وقوعِ الفعلِ وكأنَّه قد قَرُبَ من الوقوعِ.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ﴾ : لَمَّا ضُمِّن هذا الموصولُ معنى الشرطِ دَخَلَتِ الفاءُ في خبرِه، وهو قولُه: فبشِّرْهُم، وهذا هو الصحيحُ، أعني أنه إذا نُسِخَ المبتدأُ ب «إنَّ» فجوازُ دخولِ الفاءِ باقٍ، لأن المعنى لم يتغيَّرْ، بل ازدادَ تأكيداً، وخَالَف الأخفشُ فمنعَ دخولَها مع نَسْخِة ب «إنَّ»، والسماعُ حُجَّةٌ عليه كهذِه الآية، وكقوله: ﴿إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات﴾ [البروج: ١٠] الآية، وكذلك إذا نُسِخَ ب «لكنَّ» كقوله:
١٢١٠ - فوالله ما فَارَقْتُكُمْ عن مَلالةٍ | ولكنَّ ما يُقْضَى فسوف يكون |