أصلُ الكلمةِ هي البُكْرَةُ أولَ النهارِ، فاشْتُقَّ من لفظِهِ لفظُ الفعل فقيل: بَكَر فلانٌ بُكوراً إذا خَرَجَ بُكْرة، والبَكُور: المبالغُ في البُكور، وبَكَّر في حاجته وابتَكَر وباكَرَ، وتُصُوِّر فيها معنى التعجيل لتقدُّمِها على سائِر أوقاتِ النهار، فقيل لكل متعجِّلٍ: بَكِر» قلت: ظاهرُ هذه العبارة وكذا عبارةُ غيره أنَّ البَكَرَ مختصٌّ بطلوعِ الشمسِ إلى الضحى، فإنْ أريد به من أول طلوعِ الفجر إلى الضحى، فإنه على خلاف الأصلِ. وقد صَرَّح الواحدي بذلك فقال: هذا معنى الإِبكار، ثم يُسَمَّى ما بين طلوعِ الفجرِ إلى الضحى إبكاراً كما يُسَمَّى إصْباحاً.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الملائكة﴾ : إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ هذا الظرفَ نَسَقاً على الظرفِ قبلَه وهو قولُهُ: ﴿إِذْ قَالَتِ امرأت عِمْرَانَ﴾ وإنْ شِئْتَ جَعَلْته منصوباً بمقدَّر قاله أبو البقاء.
وقرأ عبدُ الله بن مسعود وابن عمر: «وإذ قال الملائكة» دونَ تاءِ تأنيث، وتوجيهُ ذلك تقدَّم في ﴿فَنَادَاهُ الملائكة﴾. ومعمولُ القولِ الجملةُ المؤكَّدَةُ بإنَّ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الله اصطفاك﴾، وكَرَّر الاصطفاءَ رفعاً مِنْ شأنِهِا.
قال الزمخشري: «اصطفاكِ أولاً حين تَقَبَّلَكِ مِنْ أُمِّك ورَبَّاك واخْتَصَّكِ بالكرامَةِ السَّنِيَّة، واصطفاكِ آخِراً على نساءِ العالمين بأَنْ وَهَبَ لكِ عيسى من غَيْرِ أَبٍ ولم يكنْ ذلك لأحدٍ من النساء»
واصْطَفَى: افْتَعَلَ من الصَّفْوَة، أُبْدِلَتْ التاءُ طاءً لأجلِ حرفِ الإِطْبَاقِ


الصفحة التالية
Icon