بابها فهي أبلغُ لِما عُرِفَ غيرَ مرة، وإنْ كانت بمعنى التفعيل فهي وافيةٌ بالمعنى الذي أرداه، وكأنه لم يعرف أنَّ المفاعلة قد تجيء بمعنى التفعيل. ومتعلِّقُ المراءاةِ محذوفٌ لِيَعُمَّ كلَّ ما يُراءَى به. والأحسن أن تُقَدِّر يُراؤون الناسَ بأعمالهم.
وقوله: ﴿قَلِيلاً﴾ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أو لزمان محذوف أي: ذكراً قليلاً أو زماناً قليلاً، والقلةُ هنا على بابِها، وجَوَّز الزمخشري وابن عطية أن تكون بمعنى العَدَم، ويأباه كونُه مستثنى، وقد تقدَّم الردُّ عليهما في ذلك. وقوله: ﴿وَلاَ يَذْكُرُونَ﴾ يجوز أن يكونَ عطفاً على «يُراؤُون» وأن يكون حالاً من فاعل «يُراؤون» وهو ضعيفٌ لأنَّ المضارع المنفي ب «لا» كالمثبت، والمُثْبَتُ إذا وَقَع حالاً لا يَقْتَرِنُ بالواوِ، فإنْ جَعَلَها عاطفةً جاز.
قوله تعالى: ﴿مُّذَبْذَبِينَ﴾ : فيه ثلاثةُ أوجهٍ أحدُهما: أنه حال مِنْ فاعل «يُراؤون» الثاني: أنه حالٌ من فاعل «ولا يَذْكَرُون» الثالث: أنه منصوبٌ على الذمّ والجمهور على «مذبذّبين» بميمٍ مضمومة وذالين معجمتين ثانيتهما مفتوحةٌ على أنه اسم مفعول، من ذبذبته فهو مُذَبْذَب أي: متحيِّر. وقرأ ابن عباس وعمرو بن فائد بكسر الذال الثانيةِ اسمَ فاعل، وفيه احتمالان، أحدهما: أنه من «ذَبْذَبَ» متعدِّياً فيكونُ مفعولُه محذوفاً أي: مُذَبْذِبين أنفسهم أو دينَهم أو نحوَ ذلك. والثاني: أنه بمعنى تَفَعْلَل نحو: «صَلْصَلَ» فيكون قاصراً، ويَدُلُّ على هذا الثاني قراءةُ أُبَيّ وما في مصحف عبد الله: «مُتَذّبْذِبين» فلذلك يُحْتَمَلُ أن تكونَ قراءةُ ابنِ عباس بمعنى متذبذبين. وقرأ الحسن البصري «مَذَبْذَبِين» بفتح الميم. قال ابن عطية:


الصفحة التالية
Icon