قوله تعالى: ﴿صِرَاطاً﴾ : مفعول ثان ل «يهدي» لأنه يتعدى لاثنين كما تقدم تحريره. وقال جماعة منهم مكي: إنه مفعول بفعلٍ محذوف دَلَّ عليه «يهديهم»، والتقدير: «يُعَرِّفهم» وقال أبو البقاء قريباً من هذا إلا أنه لم يُضْمِرْ فعلاً، بل جَعَلَه منصوباً ب «يهدي» على المعنى، لأنَّ المعنى يُعَرِّفهُم. قال مكي في الوجه الثاني: «ويجوز أن يكونَ مفعولاً ثانياً ل» يَهْدي «أي: يهديهم صراطاً مستقيماً إلى ثوابه وجزائه» ولم اَدْرِ لِمَ خَصَّصوا هذا الموضع دونَ الذي في الفاتحة، واحتاجوا إلى تقدير فعل أو تضمنيه معنى «يُعَرِّفهم» ؟ وأجاز أبو عليّ أن يكون منصوباً على الحال من محذوف فإنه قال: «الهاءُ في» إليه «راجعةٌ إلى ما تقدم من اسم الله، والمعنى: ويهديهم إلى صراطه، فإذا جعلنا» صراطاً مستقيماً «نصباً على الحال كانت الحالُ من هذا المحذوفِ» انتهى. فتحصَّل في نصبه أربعةُ أوجه، أحدها: أنه مفعول ب «يهدي» من غير تضمين معنى فعل آخرَ. الثاني: أنه على تضمين معنى «يُعَرفهم» الثالث: أنه منصوبٌ بمحذوفٍ. الرابع: أنه نصبٌ على الحال، وعلى هذا التقديرِ الذي قَدَّره الفارسي تقْرُب من الحالِ المؤكدة، وليس كقولك: «تبسَّم ضاحكاً» لمخالفتِها لصاحبِها بزيادةِ الصفةِ وإن وافقته لفظاً. والهاءُ في «إليه» إمَّا عائدةٌ على «الله» بتقدير حذف مضاف كما تقدم من نحو: «ثوابه» أو «صراطه»، وإمَّا على الفضلِ والرحمة لأنهما في معنى شيءٍ واحد، وإما عائدةٌ على الفضلِ لأنه يُراد به طريق الجنان.
قوله تعالى: ﴿فِي الكلالة﴾ : متعلق ب «يُفْتيكم» على إعمال الثاني، وهو اختيار البصريين، ولو أَعْمل الأولَ لأضمرَ في الثاني، وله


الصفحة التالية
Icon