هذا الخاصَّ لم يَصِحَّ الاستثناء من عموم الفواحش، لو قيل في غير القرآن: «لا تَقْرَبوا الفواحشَ إلا بالحق» لم يكن شيئاً.
قوله ﴿ذلكم وَصَّاكُمْ﴾ في محله قولان أحدهما: أنه مبتدأ، والخبر الجملة الفعلية بعده. والثاني: أنه في محل نصب بفعلٍ مقدَّر من معنى الفعل المتأخر عنه، وتكون المسألة من باب الاشتغال، والتقدير: ألزمكم أو كلَّفكم ذلك، ويكون «وصَّاكم به» مفسِّراً لهذا العامل المقدر كقوله تعالى: ﴿والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [الإِنسان: ٣١] وناسب قوله هنا «لعلكم تعقلون» لأنَّ العقل مَنَاطُ التكليف والوصية بهذه الأشياء المذكورة.
قوله تعالى: ﴿إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ : استثناء مفرغ أي: لا تَقْرَبُوه إلا بالخَصْلة الحسنى، فيجوز أن يكون حالاً، وأن يكون نعت مصدر، وأتى بصيغة التفضيل تنبيهاً على أنه يَتَحَرَّى في ذلك، ويَفْعل الأحسنَ ولا يَكْتفي بالحسن.
قوله: ﴿حتى يَبْلُغَ﴾ هذه غايةٌ من حيث المعنى فإن المعنى: احفظوا ما لَه حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ولو/ جعلناه غاية للفظ كان التقدير: لا تقربوه حتى يبلغَ فاقربوه، وليس ذلك مراداً.
والأَشَدُّ: اختلف النحويون فيه على خمسة أقوال فقيل: هو جمع لا واحد له، وهو قول الفراء فإنه قال: «الأشدُّ واحدها» شَدّ «في القياس ولم أسمع لها بواحد»، وقيل: هو مفردٌ لا جمعٌ، نقل ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة ذلك، وأنه بمنزلة الآنُك، ونَقَلَ الشيخ عنه أن هذا الوجه


الصفحة التالية
Icon