توكيداً لذلك، وأتى في الجملة الثانية بالاسم ظاهراً، وحَقُّه أن يضمر مبالغةً في التوكيد. ومعنى «مكر الله» أي إضافة المخلوق إلى الخالق كقولهم: ناقة الله وبيت الله، والمراد به فعلٌ يُعاقَبُ به الكفرة، وأُضيف إلى الله لَمَّا كان عقوبةَ الذنب، فإن العرب تسمِّي العقوبة على أي جهة كانت باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة، وهذا نصٌّ في قوله ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله﴾ [آل عمران: ٥٤] قاله ابن عطية. قلت: وهو تأويل حسن، وقد تقدم لك في قوله ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله﴾ [آل عمران: ٥٤] أنه من باب المقابلة أيضاً. والفاءُ في قوله «فلا يأمَنُ» للتنبيه على أن العذاب يَعْقُب أَمْنَ مكرِ الله.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ : قرأ الجمهور «يَهْدِ» بالياء من تحت. وفي فاعله حينئذ ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه المصدر المؤول من «أنْ» وما في حَيِّزها، والمفعولُ محذوفٌ والتقدير: أو لم يَهْدِ أي: يبيِّن ويوضِّح للوارثين مآلهم وعاقبةَ أمرهم وإصابتنا إياهم بذنوبهم لو شِئْنا ذلك، فقد سَبَكْنا المصدر من «أنْ» ومن جواب لو. الثاني. أنَّ الفاعلَ هو ضميرُ اللهِ تعالى أي: أو لم يبيِّن الله، ويؤيده قراءةُ مَنْ قرأ «نَهْدِ» بالنون. الثالث: أنه ضميرٌ عائد على ما يُفْهَمُ مِنْ سياق الكلام أي: أو لم يَهْدِ ما جَرَى للأممِ السابقة كقولهم: «إذا كان غداً فَأْتني» أي: إذا كان ما بيني وبينك مما دلَّ عليه السياق. وعلى هذين الوجهين ف «أنْ» وما في حيِّزها بتأويل مصدر كما تقدَّم في محلِّ المفعول والتقدير: أو لم يُبَيِّن ويوضح الله أو ما جَرَى للأمم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك.


الصفحة التالية
Icon